top of page
صورة الكاتبThe Ambassador Team

هبة



بقلم: رحمن خضيرعباس

لن أنسى هبة .

كانت طفلةً صغيرة برائحة الورد ، ورِقّةِ النسيم ، وبراءة الندى.

كان وجهها الصغير يتضرج بلون الحياء وهي تقدم لي هديتها ، وهي عبارة عن طاجين فخاري جميل ، حملته بكفيها الصغيرتين وقدمته لي قائلة:

“هذه الهدية البسيطة تعبرعن تقديري ومحبتي لبلدك العراق.”

احتفظت بهديتها ، ولم يسعفني الزمن أنْ أبادلها بهدية تليق بها.

كان ذلك قبل ثلاث سنوات ، حيث كنتُ في ضيافة الصديق سعيد أميس. وهو مدير مدرسة ابتدائية في الدار البيضاء / المغرب. اقترح عليّ زيارة أحد أقسام المدرسة ، دخلنا معا إلى ذلك القسم الذي كانت هبة إحدى تلميذاته المجتهدات، وكانت مدرسة اللغة الفرنسية الأستاذة سميرة ، قد حوّلته إلى جُنينة من الرسوم والألوان والزخارف ووسائل الايضاح.

هبة أكملت دراستها الابتدائية ، لتبدأ مشوار المدرسة الإعدادية. لذا فقد انقطعت أخبارها.

البارحة اتصل بي صديقي سعيد أميس، ليخبرني بفاجعة موت هبة ،على أثر صراعها مع مرض السرطان اللعين الذي لم يرأف بطفولتها.أو بأحلامها الصغيرة ودفاترها المدرسية.

ماتت هبة ضحية لخطيئة هذا العالم ، الذي لا يكترث بغير الربح السريع الذي أدّى إلى الخراب والتلوث.

ماتت بصمت وهي تداري دموعها ، وكأن موتها يصفع قسوة هذا العالم الذي لايكترث للطفولة.

الكثير من أقرانك -يا هبة - من أطفال العراق الذين أحببتِهم دون أنْ تلتقي بهم ، قد فقدوا حياتهم أيضا، نتيجة تفشي هذا الداء الذي سببته الحروب. تلك الحروب الرهيبة سممت الزرع والضرع ،واغتالت البراءة.

حروب كالحرائق تنتشر في كل مكان :

حروب الحدود ،وأطماع الجوار ،والاختلافات في المذاهب والأديان.

حروب الإخوة الأعداء ، وحروب الأصدقاء .

الحروب التي تنعش تجارة الأسلحة ومستلزمات الحرب وأدوات الدمار.

الحروب التي تسمم الهواء والماء والغذاء.

يموت الأطفال كالفراشات الصغيرة قبل أنْ يرتشفْنَ شيئا من رحيق الحياة.


٠ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

كي لا ننسى .. احنه مشينا للحرب

بقلم: نزار العوصجي ذات مرة في الثمانينيات جلست وأنا مسافر بالقرب من فتاة تبين أنها من البصرة، وهي طالبة في المرحلة الرابعة بجامعة صلاح...

Comments


bottom of page