بقلم : بيير عازر
اليوم كان نهاراً خريفياً بامتياز.. الغيوم تغطي السماء بثوب رمادي شاحب لا أمَل لأشعة الشمس أن تشقه، وأوراق الشجر انقلبت ألوانها من الأخضر الى الأصفر بكل مشتقاته، والأمطار المتقطعة والمتضاربة بغزارتها تُشعِرك بالقنوط..
كان يوماً بمنتهى الهدوء الى ان دخلت سيدة في العقد الثالث من العمر، شقراء تلبس قميصاً زهرياً يعكس لون وجهها السمح الجميل وقليل مساحيق التجميل... وضعت ظرفاً على رف المبيع مع علبة خواتم باسم محلنا وقالت بصوت منخفض يرتعش: “لا اريد ان افعل هذا ولكن ما من خيار امامي.. أود لو استطعت ان أبيعك هذا خاتم زواجي الذي اشتريته من محلكم في جنيڤا Geneva , لان حادث سير مؤلم حصل مع زوجي وأصيب على أثره بجروح بالغة جداً برأسه، أدت به أنه اصبح غير قادر على الاهتمام بنفسه، و سأصرف ما تعطيني من نقود على علاجه الفيزيائي علَّه يتحسن”... قالت كل هذا بصوت مخنوق ولكن فيه الكثيرمن العنفوان ورباطة الجأش و عزة النفس...
اخرَجَتْ من محفظتها كرت عمل مدوَّن عليه رقم بالدولار كان قد عرضه عليها أخي ولكنها لم تكن جاهزة لان تفارق خاتمها، وأما الآن فإن الوقت حان ان تختار بين الاحتفاظ بخاتم الخطبة (خاتم الماس يحتوي على حجر رئيسي يزن قيراطاً الى جانب احجار أخرى بساعد الخاتم) او تبيعه لتحصل على المال لتصرفه على تحسين وضع زوجها! استمر الحديث خلال فحصي للخاتم وهي تحارب ذرف دموعها لتخبرني انها وزوجها كانا يعملان بالحقل الطبي كممرضين يهتمان بالمرضى المقعدين، وخلال ثوان تحول بهم الحال ليصبح زوجها مقعداً غير قادر على الاهتمام بنفسه وهي الان أصبحت ممرضته... حاولت هذه الزوجة الصالحة بكل قواها حبس دموعها وهي تخبرني وبتردد عن ما آلت اليه حالها وكيف ان هذا الحادث مزق عائلتها وعائلة زوجها وكيف انها تتمنى ان يتحسن زوجها و يتجاوب مع العلاج الفيزيائي الذي يتلاقاه. سألتها اذا عندهم أولاد و أجابت بالنفي، و شرحت لي و الدموع بدأت تتدحرج من عينيها على محياها ان حادث السير وقع خلال اقل من عام على زواجهما سنة 2017... عندما سألتها وهي الأن تخرج من باب المحل اذا كان يتجاوب زوجها مع العلاج، قالت و الدموع الصادقة تملأ عينيها: ” ان جرحه بليغ جداً و بأنه يتحسّن بشكل بطيء جداً...”
أذهلتني هذه السيدة بعمق حبها لزوجها وشعرت بصدقها وبحساسيتها وعزة نفسها... قالت لي وهي تحارب دموعها: “انا لا ابكي لكي تشفق علي او لتعطيني المزيد من النقود” ... “وانت لا تحتاج لسماع قصة كئيبة”!
كان درساً جميلاً حياً في الحب والمحبة والتضحية والعطاء والوفاء لزوجها. شعرت بنعمة الصحة لي ولأفراد عائلتي وكم كثيرة هي نعم ربنا علينا. وشعرت ان الدنيا ما تزال بألف خير وان هناك وفاء بهذه الدنيا، وان الجواهر الحقيقية هي في قلوب وافعال الناس..
ومهما كانت مشكلاتنا فهي صغيرة أمام مشاكل غيرنا...
دمتم جميعاً بخير أعزائي القراء
Commenti