بقلم: ريتا فرنسيس-جبور
أول ما تقع عينيك عليه عند مدخل تلك القرية البعيدة، حيث تسكن عمّتي, لافتة متجر كُتب عليها :
“محلات ومخازن ألىىر” . كان عقلي يعمل على حلّ لغز الكلمة الأخيرة من اللافتة. كانت هناك عدّة احتمالات وضعها عقلي كفتاة صغيرة تدرس اللغة العربية وتعاني من درس الهمزة ومواضعها السليمة في الكلمة وكانت المفاجأة كبيرة عندما اكتشفت بأنها تجلس أحياناً على كرسي الياء. فكنت أقول في نفسي “وجدتها”، إنها “محلات ومخازن ألبئر” إلى أن شاءت المصادفات وتوقفنا يوماً عند تلك “المحلات والمخازن” واكتشفت بأن الكلمة الصحيحة كانت على اسم صاحبها وهو “ألبير” ذلك لأن أحد الزبائن ناداه بهذا الاسم، عندها تدخّلت سريعاً وقلت لألبير: “يجب عليك أن تُصلح لافتة المحل لأن فيها خطأ”. ضحك الحاضرون لا أدري لمَ ولكني تابعت وقلت: “يعتقد المرء بأنها محلات ومخازن البئر” فضحكوا أكثر لكني لم أبالِ بضحكهم لأني عملت بما أملاه عليّ ضميري وواجبي تجاه الرجل. عندها اقتربت منّي سيّدة وهي من أقارب عمّتي وطبعت قبلةً قويّة على خدّي كادت أن تُفقدني توازني، شعرت بأنها امتصت بعضاً من دمي لقوتها. التفتت المرأة إلى والدتي وأشادت لها بذكائي عندها انتظرت أن تشيح بوجهها عني لأمسح آثار القبلة الرطبة عن خدي. كان المحل يعجّ بالزبائن وكان ألبير وامرأته يعملان على قبض أموال أسعار السلع المبيعة وعلى وجهيهما ابتسامة عريضة يتوجهان بها إلى كل مُشترٍ مع تحية كلٍّ باسمه.
كانت في المتجر بضائع كثيرة لا تُحصى ولا تُعد، أدوات كهربائية، صحون وأكواب زجاجية، مرايا, حقائب نسائيّة ، أدوات تجميل ودراجات هوائية، دمى وملابس نسائية، أحذية متعددة الألوان لا الأشكال، بيض وأجبان كنت تجد في ذلك المتجر. مساحيق للتنظيف منها للشعر ومنها للجسم ومنها للجلي كلّها عبأها ألبير في عبوات صغيرة متطابقة في الحجم لا في اللون وألصق على كلٍّ منها ملصقاً صغيراً كتب عليه بخط يده ماهية محتواه. رحت أقرأ في انتظار أن تفرغ والدتي من الشراء فوجدت بأني أكشف مؤامرة كبيرة يقوم بها ذلك الرجل على زبائنه! كانت المجموعة الأولى عبوات كتب عليها “شامبو للشعر” ثم مجموعة أخرى “تنين بواحد” وكانت مسحوق لتنظيف الشعر وتليينه، بعدها مجموعة أخرى كُتب عليها “تلاتة بواحد” وفيها مسحوق لتنظيف الشعر والجسم ولتليين الشعر. تابعت القراءة فوجدت بأن القوارير الأخرى هي مسحوق للجلي فانتابني الفضول، أردت أن أعرف ما الفرق بين مسحوق الجلي وشامبو الشعر ففتحت العبوتين وأخذت بعضاً من المسحوقين وتفحصتهما بين أصابعي لأتفاجأ بأن فيهما نفس المسحوق بنفس اللون ونفس الرائحة! أردت أن أكشف المؤامرة على الملأ لكن أمي كانت أسرع مني فحثّتني على المغادرة.
استقبلتنا عمتي استقبال الفاتحين وجاراتها الكثيرات أبين إلّا أن يأتين لرؤيتنا لإلقاء التحية علينا وشرب القهوة. لفتني بأن الجارات جميعهن بما فيهن عمتي يلبسن بكل فخر الأحذية نفسها لكن بألوان مختلفة فعلمت للتو مصدرها. قمت للتو ودخلت الحمام بحثت عن “شامبو” عمتي ورحت به إلى المطبخ لأقارنه مع مسحوق تنظيف الأطباق لكني لم أوفَّق في تجربتي إذ أني أتفاجأ بتلك المرأة التي قبلتني في محلات ألبير تدخل المطبخ وتضبطني بالجرم المشهود. أردت أن أذكرها بنفسي بأني تلك الفتاة عينها التي أشادت بذكائها منذ أقل من ساعة من الوقت لكنّ صوتها سبقني ووصل إلى مسامع
من كنّ في البيت لتأتين جميعهن إلى المطبخ وترينني متلبِّسة في جرم “العفرتة”. راقبت تلك الرؤوس الكثيرة وكلها كانت بيضاء، كان الشيب يعلوها بطريقةٍ فاضحة فقرّرت ألّا أتكلّم وتركتهن لجهلهن دون أن أخبرهن بآخر اكتشافاتي وبأنهن يغسلن شعورهن بمسحوق الجلي!
ها أنا أقود سيارتي وأتوجّه إلى قرية عمتي بعد غربةٍ طويلة دامت سنوات عديدة في المهجر وأسأل نفسي، هل ما زالت نساء تلك القرية يلبسن أحذية متشابهة غير آبهات بالموضة، هل ما زلن يتهافتن على الضيف ويسارعن في إحضار أكياس بلاستيكية يضعن فيها نتاج بساتينهن هديةً له؟ ويبقى السؤال الأكبر هل أخذ ألبير بنصيحتي وأصلح لافتة متجره أو هل ما زال يغشّ أهل القرية البسطاء؟
تعليقات