top of page
صورة الكاتبThe Ambassador Team

استطعام الحياة

بقلم : ايمان الشريف



مهنتي: مدرسة للمرحلة الابتدائية.

الوقت: صباح أول يوم دراسي للعام الجديد.

المشهد: شمس دافئة تعكس إشراقة رائعة على فناء المدرسة المليء بزهور تنبع حياة وتدفق حركة.

الملاحظة الأساسية: عيون واسعة تطل عليك من وجوه صغيرة تتفجر نظراتهم سعادة وفرحة.

الخلفية: ضحكات مبهجة ونداءات لأسامي تتطاير أمامي مع التفاتات ملهوفة لأصحاب النداء.

أنظر إليهم فيتضاحكون ويقبل عليّ من سبق لي تدريسهم مهللين.. يغمرونني بأحضان وقبلات تبعث فيّ روح الحياة.

وفي داخل داخلي توجّس وخوف عليهم من مستقبل بعيد.. يتسلل إلى روحي شجن فيما معناه آآآه لو تعلمون.

يمر اليوم ببهجة فائقة، شعور بالسعادة غامر أمدني بطاقة نفسية وجسدية كما لو كنت تجرعت من فوري كأساً من نبع إكسيرالحياة.

عدت الي منزلي ومارست طقوسي المعتادة من أخذ حمام وتحضير طعام وبعض مهام منزلية، ثم جلست لأخذ قسط من الراحة والتأمل.

يا له من شعور قلما شعرت به منذ أمد طويل.

وهنا سألت نفسي: لماذا لم أعد أشعر بنعمة الحياة!!

فاليوم امتزج إحساسي بلذة الحياة بكل خلاياي.

لا أعي عمري ولا ألقي له بالاً.

أشعر أني خارقة القدرات.

فكل ما في ينبض قوة وطاقة وأملاً وفرحة.

اقتبست من روح طفولتهم ما أمدني أنا شخصيّاً روحاً طفولية.

أنهمك حين أعمل.

أضحك من قلبي; إذا قام أحدهم بتصرف تلقائي فكاهي.

أفرح حين يلتقط مني أحدهم معلومة.

أثابر حين يصعب على أحدهم فهم شيء.

هم كذلك.. تجدهم حين يلعبون ينهمكون وكأنهم في معمل لاختراع نوع من النباتات لا يحتاج لأكسچين مثلاً.

يضحكون ملء قلوبهم الصغيرة على أبسط المشاهد.

يفرحون فرحاً عارماً حين يتمون إنجاز شيء ما, أيّ شيء.

يثابرون في تعلم ما صعب عليهم.

يرفرفون أجنحة سعادة حين أثني عليهم.

لا يشغل بالهم الغد كثيراً، أقصى ما يتمنون في نهاية اليوم لقاء أحبتهم في منازلهم.

فقدنا نحن الكبار تلك الروح.

دائماً وأبداً يشغلنا المستقبل البعيد المجهول.

فنفقد لذة استمتاع اللحظة تلك التي بين أيدينا الآن والآن فقط.

نفوت على أنفسنا حياة الحياة.

هذا ما أفعله فعلاً.. انا لا أمارس الحياة.

انا أمارس أدواراً فقط. دور أم، دور ابنة، دور معلمة.. جارة... زميلة عمل... مواطنة والخ.. الخ.

ولكني لا أمارس نفسي لا أمارسني أنا. لا أمارس الحياة.

ولأني اقوم بأدوار فيجب علي ان أتقن كل دور وأراقب نفسي في عيون ووجدان الآخر.

فلا أرى نفسي. لا ارى جمالي. لا أتذوق خدر المشاعر, لا أشعر بمتعه العلاقات ولا راحة استخدام الأشياء. مثلاً:

دور الأم يحتم عليّ لأثبت أني أم ناجحة أن انشئ طفلاً سليماً بدنياً ونفسياً وعقلياً.

فانهمك بكل التفاصيل وأحافظ على اتباع كل ما يفيد هذا الهدف.

وفي خضم هذا الاندماج وهذا بالطبع شيء محمود ومطلوب.

لكن لم يكن علي أن أغفل التواصل الحميمي مع طفلي لأغذي مشاعر الأمومة الممتعة.

وهكذا الاستمتاع بلذة تبادل هذه المشاعر... وهكذا قياساً على جميع الأدوار المنوطين بها.

عاهدت نفسي أن أستمتع بجميع أدواري.. اجتهد فيها الى حد القتال وفي الوقت نفسه أستمتع بشغف التحدي ومتعة الفوز.

وإذا لم أنجح لا أسلم نفسي للحزن بل سأعمل على اكتشاف أخطائي وكيفية النجاح فيها كما لو كنت الهو بلعبتي المفضلة.

وحتى في حالات عدم النجاح مطلقاً.

اذن هنا يجب تغيير المسار واكتشاف طرق أو سبل جديدة.

لعل هذه الطرق الجديدة مليئة بشموس ساطعة مشرقة وموسيقا ضحكات صغيرة كتلك التي امتلأ بها وجداني اليوم.

استعدت اليوم روحي الطفولية وبكل حب الحياة لن أتركها ثانياً.

دمتم مستمتعين مستطعمين لذة الحياة.


٠ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

كي لا ننسى .. احنه مشينا للحرب

بقلم: نزار العوصجي ذات مرة في الثمانينيات جلست وأنا مسافر بالقرب من فتاة تبين أنها من البصرة، وهي طالبة في المرحلة الرابعة بجامعة صلاح...

Comments


bottom of page