top of page
صورة الكاتبThe Ambassador Team

التلفاز


بقلم: ريتا فرنسيس-جبور

استويت في قعدتي ورحت أسمع لها تنتحب، سحبت محرمة مسحت دموعها وأخذت رشفة ماء ابتلعتها بصعوبة وقالت:” لقد خسرت كل شيء”. لم أُفاجأ للخبر لكنه أحزنني.. أعرف بأنها مقامرة شرسة وقد حذرتها مرارا من مغبّة الأمر. خسرت الكثير إلى الآن وما زال ذلك الوحش في داخلها يُطالبها بالمزيد. بدت لي في مواقف عدّة بأنها تغيرت وأقسمت بأنها ستتوقف لكنها خذلتني كالعادة بل خذلت نفسها. خسرت كل ما تملكه... لم يكن متبقياً لها سوى ذلك المنزل القديم الذي ورثته عن والدتها بعد أن باعت أثاثه وخسرت ثمنه على طاولة خضراء جائعة تبتلع الألوف في ثانية. كانت في كل مرّة تراهن على حظها المبتسم وتقول، عندي إلهام.. هذه المرّة ليست كباقي المرات... كم سمعتها تتكلم عن أرقامها وكأنها جزء من روحها... كأنها خشبة خلاصها... كأنها ضمنت لها أن يسابقوا مع رفاقهم ليهزموهم ويجعلوا منها مليونيرة. لكن حتى أرقامها خذلتها... طالما تكلمت عن سوء حظها أو عن أحد اللاعبين الذي جلب النحس عليها أو عن مدير اللعبة صاحب اليد الناشفة وكنت دوماً ألومها وأسألها لم لا تنسحبين إذاً، فتقول بصوت واثق بأنها فقط جولة ليس أكثر أما الجولات التالية...

هنا كانت آمالي تتبدد عندما تتكلم عن الجولات التالية. يئست منها وهي لم تيئس من المضي فيما تفعله. رأيتها تحفر الحفرة وتقع فيها ولا تيئس. ليت المقامر ييئس! لم لا ييئس من تكرار المحاولة؟ لم يركض ركض العطشان نحو سراب ماء كاذب ولا ييئس من المحاولة. لو توافّر لطلاب العلم تصميم المقامر لكانوا حكموا العالم.

نامت على كنبتي نوماً متقطعاً تلك الليلة خفت أن تؤذي نفسها فتقطع نومي أيضاً وقضيت معظم الليل أروح وأجيء لأتأكد بأنها بخير. كانت حالتها لا تدعو للاطمئنان صحت في الصباح ترتجف من البرد أو الخوف أو الاثنين معاً. خفت عليها ولم أشاء أن أتركها وحدها فاتّصلت برئيسي في العمل واعتذرت عن المجيء، لم أشرح الأسباب وهو أيضاً لم يسأل وقضيت اليوم بكامله أواسيها وأعتني بها كما تعتني الأم بابنتها. لم ينتصف النهار إلا وعادت صديقتي إلى سابق عهدها وكأن شيئاً لم يكن كأنها برئت تماماً من دائها أو كأنها تغلبت عليه أو كأنها نسيت ما حصل. عادت تسرد القصص وتضحك وتضحكني وفرحت جداَ بأن تضحيتي من أجلها أتت بثمارها الجيدة. عرضت عليها البقاء في منزلي إلى أن تتحسن ظروفها، أردتها أن تكون بخير، أردت أن أطمئن عليها وأمد يد العون لها في ظروفها الصعبة، فشكرتني وقالت بأني صديقة وفيّة من بين عشرات ليسوا أوفياء. راحت تخبرني عن أصدقاء منهم من كان مُشتركاً بيننا أداروا لها ظهورهم وهي في أمس الحاجة لهم، وقامت وطبعت قبلة على جبيني ووعدتني بأنها ستتغيّر.

كنت في العمل بعد ما يقارب الأسبوع حين رنّ هاتفي وكان جاري حبيب، لم أجب بالطبع لكني تفاجأت برسالة أوردها بعد الاتصال مباشرة. تجاهلت هاتفي وركزت اهتمامي في العمل فوردت رسالة أخرى منه. هنا استغربت إصراره وراحت تدور في رأسي سيناريوهات عدة لم تكن كلها إيجابية. علّ صديقتي رمت نفسها من الطابق الرابع؟ علّها تناولت السم في غيابي أم بأي طريقة آذت نفسها هذه المرّة.؟ دسست هاتفي في جيبي ودخلت غرفة السيدات لأقرأ رسائلي المستعجلة.

-” مرحبا هناء أين تنتقلين؟” ارتجف قلبي خوفاً لرسالته الأولى وأما الثانية فأتت على الشكل التالي: “ أريد أن أشتري التلفاز”

خرجت مسرعة قبل انتهاء الدوام، قدت سيارتي بسرعة جنونية وتفاجأت بشاحنة محمّلة بالأثاث تستعد للإقلاع وبالفعل انطلقت قبل أن أتمكن من إيقافها. لم أنتظر المصعد ورحت أصعد الدرج بسرعة إلى أن وصلت إلى شقتي وكان بابي مفتوحا... دخلت لأجدها فارغة تماماً، لم يبقَ لي فيها سوى التلفاز يتربّع على طاولته الخشبية تستريح علىها ورقة بيضاء كُتب عليها: “مبيع”

وقفت أراقب شاشته الكبيرة السوداء في ذهول يقف إلى جانبي جاري حبيب صاحب التلفاز الجديد...


٠ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

كي لا ننسى .. احنه مشينا للحرب

بقلم: نزار العوصجي ذات مرة في الثمانينيات جلست وأنا مسافر بالقرب من فتاة تبين أنها من البصرة، وهي طالبة في المرحلة الرابعة بجامعة صلاح...

Comments


bottom of page