بقلم: الاعلامي رأفت صادق
أشرقت شمس الأصيل على البلدة الصغيرة القابعة شرق المدينة التي تعج بالسكان وألقت بأشعتها الذهبية على حقول الذرة الخضراء
المترامية الأطراف هنا وهناك, البلدة الغارقة في أحلام الطبيعة والتي ظل أهلها لسنوات يفخرون بالانتماء إليها, وعلى غير عادتها فجأة ضجت البلدة بالأحاديث وانتشرت الأخبار كانتشار النار في الهشيم بين شيوخ ونساء وأطفال البلدة, طائفة تقول بأن سالم ابن الحاج جابر قد تسلل ليلا إلى حظيرة شحاتة القط لسرقة مواشيه, وطائفة أخرى تقول بأنه كان يحاول سرقة مصوغات زوجة العم شحاتة ولاذ بالفرار من البلدة قبل أن يراه أحد, وكثرت الأحاديث حول تلك الحادثة, وراحت كل امرأة تقص الرواية إلى جارتها وبعد أن تنهى كلامها تهمس في أذنيها أكفى على الخبر مجور.
في تلك اللحظات كان الحاج جابر قد توسّد أريكته في الردهة الواسعة بالدار الكبيرة التي يقطنها مع زوجته العجوز رجل في العقد الخامس من عمره يرتدى جلبابه الرمادي الداكن وعمامته الكبيرة التي هي من ملامح بيئته الريفية, يمضغ التبغ منذ الصباح وببصقه في عصبية زائدة قائلا الكلب فضحني في البلد, ينظر إلى المرأة العجوز الجالسة القرفصاء بجوار الأريكة بين الحين والأخر كانت تنظر اليه بعين المغلوبة على أمرها في فلذة كبدها, تلطم وجهها وقد أهالت الأتربة عليه, (قومي يا وليه يا خرفانه بطلي نواح وناوليني العصاية من الدار) ونهضت المرأة تنفض ثيابها وذهبت تلبي طلب زوجها, وسرعان ما خرجت وبيدها عصا غليظة التقطها منها بسرعة وراح يجوب البلدة ريثما يمكنه الإمساك بابنه الذي جلب له العار شعر بخيبة أمل عارمة تحتويه لفقدانه ابنه الوحيد الذي بدأ يضيع منه في لحظات فتذكر يوم أن أخرجه من مدرسته ولم يكمل تعليمه لكي يساعده في أعمال الحقل فتحسر قلبه لذلك .
كانت الشمس قد صارت قرصاً أحمر صغيراً في الأفق البعيد، شعر به يضيع من بين يديه دون أن يدري، وهناك على القنطرة الإسمنتية الجاثمة على صدر المصرف لمحه ينفث سيجاره فاخرة كالابن المدلل بين أبناء بلدته وأقرانه وبسرعة انقض عليه كالأسد يمسكه من ياقة جلبابه ويجره أمامه صوب الدار.
Comments