بقلم: الاعلامي رأفت صادق
دوت صرخة عالية من الدار الكبيرة التي تتوسط القرية ثم ثانية وثالثة شيئا فشيئا ينتبه كل شيء كهول وشباب وأطفال ناحية الصوت الذي بدا وكأنه صاعقة , مات أبو مجيد كبير عائلة الراوي بعد صراع امتد لشهور طويلة قضاها في حجرته ذات الدفء القديم وملامح الأجداد التي تظهر على جدران الحجرة في هيئة صور قديمة من الأبيض والأسود تعود لسنوات بعيدة تحكى تاريخ آبائه وأجداده, امتلات الدار بالنسوة متشحات بالسواد الحالك بينما الأطفال أخذوا أماكنهم في أطراف الدار يتابعون ما يحدث في صمت والبعض الأخر يلهو غير مدرك لما يدور من حوله.
في الردهة الواسعة تجمع عدد كبير من أبناء العائلة البعض منهم يقف متحفزا والبعض الآخر جلس جلسة القرفصاء على الأرض في انتظار خروج الجثمان من الدار ليحملوه إلى مثواه الأخير بمقابر العائلة في أطراف القرية , امتطى الصمت جواده بين أبناء العائلة ليتساءل كل منهم بداخله من سيكون خلفا له وسندا للعائلة من بعده ليصبح السؤال مغلقا بلا إجابة .
مات أبو مجيد هذه شهرته التي كان الجميع من حفدائه وأقاربه وأبناء القرية يعرفونها أما اسمه الحقيقي في أوراق الحكومة عبدا لمجيد صاحب العقل الراجح والفطرة السليمة في النزاعات التي تنشأ بين أطراف العائلة وغيرها من عائلات القرية فقد كان لا يميز بين أحد من أبناء العائلة ولا ينتصر لنفسه في نزاعاته مع الآخرين. تعالت صيحات النساء من الداخل وتجمهر أبناء العائلة يتنافسون على حمل نعشه الذي بدا لهم وكأنه فارغ من كل شيء وانطلقوا به تتبعهم بعض النسوة في محاولة يائسة للحاق بهم وخرج الأطفال خلفهم وتحولت الدار الكبيرة الى قطعة من الصمت بينما ظلت صورته على جدران حجرته في أذهان حفدائه تحكى عن أبو مجيد ومن سيأتي بعده.
Comments