بقلم: رحاب سعدة
هناك كثير من المسلسلات التي تحاول أن تستقرئ المستقبل في ظل التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي الذي من المتوقع له أن يكتسح كافة المجالات في حياتنا، منها حلقة لمسلسلBlack Mirror أثارت دهشتني وجعلتني أفكر بما هو أعمق من أحداث منمقة لمسلسل تليفزيوني.
تدور الحلقة حول سيدة تستيقظ من نومها لتجد نفسها مكبّلة بكرسي وأمامها شاشة تليفزيون تعرض نشرة اخبار الجرائم وتتحدث عن طفلة تم قتلها ، وتبدو المرأة أنها لا تتذكر شيئا عن نفسها أو مكانها ولا تفهم ماذا يدور، تنظر حولها فتجد صوراً منثورة لفتاة صغيرة ، ويحدث فلاش باك قصير في ذاكرتها المعطلة عن طفلة تبدو أنها ابنتها، ثم تستطيع السيدة التخلص من قيودها والهرب من ذلك المنزل لتجد العالم من حولها فارغاً تماماً إلا من بعض الأشخاص الذين يحملون تليفوناتهم ويلتقطون صوراً لها وكأنهم خارج واقعها المعيش، تستنجد بهم فلا يجيبها أحد ، ثم تجد مجموعة أخرى يطاردونها ويحملون السلاح سعياً لقتلها ، تحاول الهرب وتقابل امرأة أخرى تساعدها ثم تنتهي بها المغامرة وهي في حالة فزع شديد من الاقتراب الحتمي من الموت ، ثم فجأة تنزاح ستارة أمامها وتجد عشرات الأشخاص يهللون ويلعنونها وهم يلتقطون صوراً لها، حيرة وتوتر وفزع وهي لا تعي ماذا يحدث، ليتضح في الأخير ان هذه المرأة مجرمة ، ساعدت زوجها في قتل ابنتها وكانت تصورها أثناء اعتداء زوجها على الابنة، وتم إدانتها بالأدلة، وأن الحكم عليها هو هذا اليوم الذي تعيشه مجدداً كل يوم بعد أن يقوم المشرفون على الحكم بمحو ذاكرتها آخر اليوم ، ويعيدون عليها تفاصيله نفسها يومياً، ونكتشف أنّ هذا المكان بمنزلة مزار متاح للناس حتى يشهدوا بأنفسهم عقوبات المجرمين التي تم تطويرها بما يتناسب مع معطيات عصرهم التكنولوجي الحديث.
العدالة بارك .. حيث يعاقب المجرم ليس بالسجن او النفي من المجتمع بل بالسجن داخل جريمته فيعايشها يومياً بكل آلامها وتبعاتها بلا نهاية، ومتفرجون يدفعون أموالاً يومياً للاشتراك في عميلة عقاب المجرم.
لا أدري إن كانت فكرة أكثر عدلاً من السجن المؤبد أو حتى الإعدام، لكن بالتأكيد التطور العلمي والنفسي ودخول الذكاء الإصطناعي الذي سيغير الكثير من نمط حياتنا في كل مجالات الحياة سيغير طبيعتها ومعانيها وطرق الحياة والأدوات المستخدمة. في تلك الحلقة خيال عما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي في تطوير الأحكام على المجرمين في المستقبل، وقد نتفق أو نختلف، لكن هذا ليس المشوار الأخير، ماذا لو دخل الذكاء الاصطناعي مجال العدالة وسيطر عليه، وأصبح الإختيار متاحاً لطلب قاضٍ آلي بدلاً من قاضٍ إنسان؟ ماذا سيحدث حين يكون مصير الإنسان معلقاً على لوجريتمات يتم برمجتها على آلة ذكية تفتقد الحس الإنساني والبعد الروحي للعدالة والقضاء؟
الخطوة ليست بعيدة، فهناك بالفعل السيد روس Ross، أول محامٍ آلي دخل سلك القضاء بالفعل ويعمل على تجميع القضايا وتحليلها، السيد روس هو الآن مجرد مساعد لهيئة القضاء، لكن ماذا سيكون الأمر حين يترقى ويصير قاضياً؟ من تختار إذا وقعت في مشكلة مع القضاء؟ قاض روبوت أم قاضٍ إنسان مثلك؟
Comments