بقلم: الاعلامية ماريشا الزهر
“اللقاء” أكثر من حكاية وأكثر من تفصيل في زمن الحب الصادق
هل تسكننا الرواية أم نحن الذين نتسابق في أخذ مكان لنا فيها مختارين إحدى شخصياتها ونقحم أنفسننا داخل سطورها وتفاصيلها ... هل نحاول في اللاشعور أن نعيش ذلك في حياتنا ونتكلم مثل هذا ونرقص مثل ذاك؟؟؟
تلك الأسئلة التي لا نجد لها جوابا عندما ننتهي من رواية ما ونضعها جانبا إلى أن يباغتنا السؤال الأهم كصفعة قوية توقظنا مما نحن عليه وهو ماذا كان ذلك ... هل صحيح ما فعلته البطلة ... لماذا سافر ذلك الغريب ... ووو كم هائل من الأسئلة يغزو أفكارنا لنعود تدريجيا إلى واقعنا.
كان اللقاء في أكثر من لحظة يحمل معاني مختلفة مثل لقاء الأحبة، لقاء الموت، لقاء الغائب، لقاء الكراهية، لقاء العاشق ... كل ذلك حملته فصول رواية “اللقاء” للكاتبة ريتا فرنسيس جبور حين استهلّت بدايتها بمشهد الحرب الذي فرّق بين قلبين إلى الأبد، لكنه من جهة أخرى كان سبباً للقاء “كرم ونغم” أبطال الرواية الذي بدأ بفيض من مشاعر الكراهية والكبرياء وتحوّل فيما بعد إلى موجة من الحب الصامت المكتوم الذي وصفته الكاتبة بأروع الكلمات حتى يتكون لدى القارئ صورة واضحة عن مشاعر الحب بينهما والذي يعدّ من الصعوبة أن تصف الأحاسيس وتعكس ذلك على الورق إلا أن الكاتبة نجحت في ذلك من خلال استخدام الكلمات المناسبة حين أصابت لبّ الهدف حيث جعلت القارئ يعيش معهما تلك المشاعر ويحلّق في خياله الواسع.
وما يميّز الرواية أيضاً أنها كانت تفيض بالحنين إلى الماضي كما هو حال أدب المهجر فالكاتبة جسّدت بلدها الأم “لبنان” في أكثر من ناحية خاصة من خلال استخدامها اللهجة المحكية في حوارات الشخصيات الأمر الذي يعكس أسلوبها المميّز في الكتابة وسرد الأحداث المتتالية بكل سلاسة لا تخلو من عنصري الإثارة والتشويق التي عكستهما بالشرح المستفاض الذي من الممكن أن يعتبره البعض نوعاً من الإطالة لكن عندما تدخل إلى زوايا الأحداث تحتاج أيها القارئ إلى فهم كامل واستيعاب لما يدور حولك فتجد تلك التفاصيل منفذاً لوضعك على السكة الصحيحة.
تعود بنا الرواية إلى زمن الوفاء والحب الصادق الأبدي والوحيد على الرغم من العنادة التي باتت واضحة على “نغم” بطلة الرواية إلا أن “كرم” أغرم بها وملكت قلبه منذ لقائهما الأول مصادفة واستمر حتى بعد غياب البطلة وزواجها وسفرها خارج البلاد حتى عودتها إلى ديارها محمّلة باليأس والفشل والندم فقابلها حبيبها بحضنه الكبير الدافئ في ظل حسد أخواتها وانتقامهن منها لكنها بقيت القوية والصامدة بالرغم من صغر سنّها ونجاتها من الموت المحتّم الذي أقحمها زوجها به من حيث لا تدري وكأنها الحمل الوديع الذي تكاثرت عليه الضباع والذئاب من كل حدب وصوب ....
نهاية الرواية كانت بداية حياة جديدة للبطلة نغم والتي تقابلها في الواقع الكثير من الشخصيات المكسورة والمنهزمة التي تعود وتبني ذاتها من جديد على أساسات متينة صلبة لا تتزعزع ولا تهدمها رياح الشر والموت.
“اللقاء” هي أولى المنتجات الأدبية للكاتبة ريتا والتي استطاعت أن تأسر قلب وذهن القارئ بتفاصيل حكايتها المشوّقة تارة والمحزنة تارة أخرى مثل أمواج البحر لتغرقنا بها ولا تكاد تفلت من أيدينا إلا حين وصولنا للنهاية بمشهد غرامي في العرزال الذي يخفي أسرار لقائهما الأول.
Yorumlar