بقلم: الاعلامي فادي نصار
نشر العبقري تشارلز داروين، في كتابه «قوة الحركة في النباتات» The Power of Movement in Plants رؤىً من تجاربه حول كيفية انحناء الأعشاب، باتجاه مصدر الضوء، فوضعت تلك الرؤى الأساسات لاكتشاف الهرمونات المسؤولة عن حركة النباتات.
ومنذ ذلك الحين واصل العلماء دراساتهم على النبات، الى أن توصلت دراسة أجريت عام 2014، أجراها باحثون في جامعة ميسوري، الى أن النباتات قادرة على تحديد الأصوات القريبة، والتمييز بينها، في حين توصلت دراسة جديدة أنهتها مؤخراً عالمة الأحياء، مونيكا غاغليانو، من جامعة غرب أستراليا، الى أن النبات قادر على سماع صوت الماء من خلال اهتزازات صغيرة في التربة، وأنه يمكنه الإحساس بطنين الحشرات وصفير الرياح. وأنه يتمتع باحساس عميق وراق وهو يتفاعل مع محيطه كما يفعل الانسان فعلى سبيل المثال: يتأثر النبات بالموسيقى الكلاسيكية ذات الايقاع الأنيق والعميق، فتجعله ينمو بشكل رائع بينما تؤثر الموسيقى الصاخبة سلباً على النبات فيجعله يتقلص ويموت تدريجياً.
وفي موازاة تلك الاكتشافات والدراسات كان المزارعون في جنوب افريقيا وتشيلي قد اكتشفوا مصادفةً أن الموسيقا قادرة على تحسين نوعية النبيذ، فواظبوا على إسماع كرومهم موسيقى كلاسيكية عبر عشرة مكبرات صوت على مدار الساعة موسيقى راقية تعود الى المؤلفين (باخ وموزارت وغيرهما).
تسمع صوت الماء وتطرب للموسيقا
ويؤكد فريق العلماء العامل مع عالمة الأحياء، مونيكا غاغليانو، في الدراسة التي نُشرت في نيسان/ابريل في مجلة Oecologia مايلي:
إن النبات يسلك سلوك الانسان والحيوان وأن سلوكه تراكمي، وأن النباتات تستخدم خلاياها كما نستخدم نحن أعيننا آذاننا وأفواهنا. بما أن الماء ضروري لنموها، فقد طورت النباتات مجموعة واسعة من الاستراتيجيات للتعامل مع شح المياه، بما في ذلك البحث المستمر عن مستويات الرطوبة الأعلى لتجنب الجفاف.
ووجد هؤلاء العلماء أن الجذور تنمو دائما باتجاه الماء، حتى لو كان هناك حاجز صلب (بلاستيكي) يفصلها عن الماء. وقال الباحثون: “ تتعرف الجذور على مكان وجود الماء، من خلال الكشف عن صوت التدفق، ويستخدم النبات موجات صوتية للكشف عن الماء الموجود في أماكن بعيدة، ويستخدم أيضاً تدرجات الرطوبة لتوجيه جذورها، نحو مصدر المياه”.وهذا ما يفسر قدرة النبات الدائمة، على العثور على المياه في أكثر المناخات جفافاً.
النباتات تتعلم وتتذكر
طبق فريق العلماء العامل مع عالمة الأحياء، مونيكا غاغليانو عليها مايشبه تجربة بافلوف مع الكلب، فمكان الغذاء الذي قدمه بافلوف لكلبه حلَّ الضوء، وحل محل جرس التنبيه، مروحة تولد تياراً هوائياً. ادخلت النباتات في وعاء له شكل Y ، ثم مالبثت أن نمت باتجاه الضوء، أطفأ العلماء الضوء وأعادوا تشغيله بمرافقة تيار الهواء، وهكذا عدة مرات، في النهاية أطلقوا تيار الهواء دون إضاءة الأنوار، فاستمر النبات في اختيار الخيارنفسه في غياب الضوء، ما يدل على أنها قد تعلمت ربط تيار الهواء مع الضوء. وتذكرت ذلك.
ذكاء طبيعي
وعلى الرغم من اعتبارها كائنات ثابتة، طورت النباتات شتى الاستراتيجيات لمكافحة آكلات الأعشاب. فبعضها طوّر رادعات كيميائية، وذلك بإفراز روائح (مزيج من المواد الغذائية والسموم)، تطرد الحشرات الآكلة للزهرة، وأخرى تقتلها كمادة البايرثرين pyrethrin المسمِّمة لأعصاب الحشرات. كما طوّر بعضها الأخر دفاعات ميكانيكية، دائمة، كأشواك شجيرات الورد، غير أن بعض النباتات تعتمد على إطلاق استجابات دفاعية حسب الحالة (مؤقتة). فالميموزا، وزهرة مصيدة الذباب ـ تستخدمان إشارات كهربية لإطلاق حركات ورقية سريعة بسرعة 3 سنتيمترات في الثانية.
يحتوي لعاب آكلات النبات على مواد مثيرة يتعرف عليها النبات المضيف، وبالتالي تتحفز الاستجابات الدفاعية لديه بواسطة أحماض الجاسمونات jasmonates، (أحماض دهنية تنشط العديد من دفاعات النباتات ضد الحيوانات الآكلة لها)، الأمر الذي يظهر في الأجيال الجديدة من النبات على شكل طعم مر أو رائحة مقززة تُبعد الحيوانات الآكلة للنبات عنه...إذاً النبات يتذكر ويطور ذاته .
بعض النباتات خجولة
هناك نوع من النباتات، تُظهر ردود فعل حية ومباشرة، اسمها العلمي “ميموسا بوديكا \ Mimosa Pudica “مشتق من ردة الفعل هذه و يعني باللاتينية “الخجولة” فعند لمسها أو تعريضها للحرارة، تغلق أوراقها وتنخفض للأسفل و كأنها “تخجل” ، ولا تعيد فتحها إلا بعد عدة دقائق. في ذلك يرى عالم النبات Gerd Jürgens من معهد ماكس بلانك لعلم الأحياء التنموي (Institut Max Planck pour la biologie du développement) أن هرمون الأوكسين (هو هرمون نباتي ينشط نمو النبتة) الذي ينقل عبر حويصلات خلوية له مميزات شبيهة بالنواقل العصبية عند الحيوانات، دوراً أساسياً في ردة الفعل تلك (عملية الخجل).
أخيراً، لفتني في عالم اللغة أن الأطباء يصفون الانسان الذي يُصاب بحالة الموت الدماغي (كوما)، وصفاً سريرياً بقولهم : يشبه النبات، فهو كائن حي يتنفّس، ويعيش، دون وعي، و دون أدنى تفاعل مع محيطه، ويطلقون على هذه الحالة اسماً علمياً muerte vegetativaأو vegetative death (الموت النباتي).إلا أنهم بذلك يظلمون النبات، كون النبات إضافة الى أنه يزيد المكان جمالاً ويُحسن وينقي الأجواء، فهو يمتص الطاقة السلبية فيزيد بذلك الحيوية والنشاط، ويستجيب لريّه بالماء ويشعر بالرضا والسعادة، يعشق الموسيقا الراقية، ويكره موسيقا الصاخبة الصارخة.
Comments