top of page
صورة الكاتبThe Ambassador Team

بيت بيوت




بقلم: رفيف تركي

قدر بعض الأشخاص أن ترحل جُلَّ سنواتها من البيت الكبير إلى البيت الصغير..

تترك ما تترك وتأخذ ما تأخذ أملاً في أن يصبح البيت الصغير يوماً ما بيتاً كبيراً..

فيضم الجميع!

ويبقى السؤال يراودهم ما ارتحلوا تُرى كيف نصنع من البيت الصغير بيتاً كبيراً؟

وكيف يمكن لمكان كان مُنذ فترة وجيزة بلا هوية أن تستنسخ منه مكاناً يليق بهويتك؟

بكل جذورك وامتداداتك وبحورك وأنهارك ؟

هل بصحن فضي مدموغ باسم الوطن مدقوق بطريقة الجفت تحتله خيوط فضية مبهرة جمعتها أيادٍ مقدسة هرب من كل الحروب ووجد طريقه عبر كل البوابات والمطارات فتربع على منضدة بائسة بلا تاريخ في إحدى زواياك الجديدة؟

أم بسجادة عريقة وقف عليها من وقف ومشى عليها من مشى ، ذهبوا كلهم وبقيت هي شامخة برغم انبطاحها بخيوطها العريقة وحكاياها المجدولة وحزنها الراقي بلا دمعات ولا آهات ولا حتى عيون ..

أو بخيوط الصرما المبعثرة هنا وهناك تحيط بتاريخك ويحيط بها حاضرك كرسائل دافنشية كتبت بخيوط بارزة من ذهب، ممحية بأدب، لا يعرف فك شيفرتها إلا قلة نادرة تعرف تماماً كيف يكون توارث الأسرار..

أم بصورة عائلية تداعب خيال جدار مسكين بضحكات حقيقية وعيون قد يرهق لمعانها بريق الشمس؟

أم بكيس بهار تغتال رائحته كل الروائح طحنوه حبة حبة وغَلّفوه بأيديهم المباركة وابتعثوه كموفد دبلوماسي يجيد كل اللغات ؟

أم تراهُ كتاباً مقدساً بجانب سريرك حجز مقعداً فاخراً بجانبك على كل الطائرات، ومسبحة عقيق مرت من فوق جسورها كل الأزمات والمطبات فباتت وحدها تردد التسبيحات عن ظهر قلب؟

أم هو صندوق خشب الورد بلا ورد يطبق بوابته الملكية على حفنة حبات مشمش مجفف ملكي تنازل عن عرشه مُذ غادر غوطته ، لا تؤنسه في غربته سوى أصابع اللوز التي تجثو بجانبه عامرة بعد أن غادرت هي الأخرى كل ممالكها ؟

كيف يمكن لمكان كان مجرد جدران وسقف و رقم في مبنى على ناصية شارع آخر تقاطع في المدينة بأن يصبح مكانك ؟

يصبح ببضعة تفاصيل أو بدونها وطناً بعلم يرفرف فوقه، ونشيد وطني يُغَنَّى على بابه، وخارطة وحدود وعسكر، وثروات طبيعية وأطماع خارجية، ونكهات وألوان، وحتى عملة نقدية..

وطن كامل بلا شعب!

وطن إذا أصابته سهام تكسرت النصال على النصالِ!

وطن يتقن أبناؤه الزحف فوق الكرامة وتحتها وعلى جانبيها بحرفية وتؤدة ودون أن يمسوا بجلالتها..

وبعض الفرار نصر عظيم !!


٠ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

كي لا ننسى .. احنه مشينا للحرب

بقلم: نزار العوصجي ذات مرة في الثمانينيات جلست وأنا مسافر بالقرب من فتاة تبين أنها من البصرة، وهي طالبة في المرحلة الرابعة بجامعة صلاح...

Comments


bottom of page