بقلم: غسان فؤاد ساكا
العنصرية، سواءاً كانت واعية أم غير واعية، خفية أم علنية، هي انتهاك صارخ لحقوق الإنسان وانتقاص من كرامته وتقويض للديمقراطية. لدى الكنديين تاريخ طويل في تقديم أنفسهم على أنهم “أقل عنصرية” من الولايات المتحدة، لكن جذور العنصرية المعادية للسود والتمييز المنهجي في كندا عميقة وقديمة قدم كندا نفسها.
تميّز تاريخ الهجرة الكندية بالعنصرية والتمييز, فقد جلب المهاجرون الأوروبيون الأوائل معهم بذور العنصرية التي كان لها تأثير مدمّر على الشعوب الأصلية، وهو تأثير لا يزال محسوساً حتى يومنا هذا.
منذ إعلان الكونفدرالية بعام 1867 وحتى الستينيات تبنّت كندا نظاماً عنصرياً تمييزياً واختارت مهاجريها على أساس تصنيفهم العرقي من خلال إعطاء الأفضلية لدول الكومنولث القديمة والولايات المتحدة فارضة قيوداً صريحة على هجرة مجموعات معينة عرفت “بالأجناس السوداء والآسيوية.”
لقد تحمّل الصينيون وطأة الضوابط العنصرية, ففي عام 1885 صدر أول قانون استبعاد صيني فيدرالي نتيجة احتجاج العديد من السياسيين والنقابيين والمقيمين البيض في كولومبيا البريطانية على أن الصينيين غير أخلاقيين وعرضة للمرض وغير قادرين على الاندماج ونصّ القانون على فرض ضريبة على المهاجرين الصينيين بقيمة خمسين دولاراً, ارتفعت إلى مئة دولار في عام 1900 وإلى خمسمئة دولار في عام 1903. وبحلول عام 1923 تم جمع أكثر من اثنين وعشرين مليون دولار من مدفوعات الضريبة ودخل قانون الهجرة الصيني حيز التنفيذ، مما أدى إلى حظر شبه كامل للهجرة الصينية إلى كندا. استمر الوضع على ما هو عليه حتى عام 1947حيث ألغي القانون، لكن دخول الصينيين ظل مقيداً بموجب قواعد أكثر عمومية تتعلق بالأشخاص من “العرق الآسيوي”.
في عام1907 ، أبرم وفد حكومي كندي أوفد إلى اليابان “اتفاق السادة” الذي تضمّن موافقة الحكومة اليابانية طوعاً على الحد من هجرة اليابانيين إلى كندا بحيث لا تتجاوز 400 شخص سنوياً. نظرت الحكومة الكندية الى قيود “اتفاق السادة” حينها كضرورة ملحّة بعد تدفّق العمال اليابانيين الى كولومبيا البريطانية وتصاعد المشاعر المعادية لآسيا في المقاطعة والتي تطورت إلى أعمال عنف صريحة خلال مسيرة نظمتها رابطة الاستبعاد الآسيوية في فانكوفر, استهدفت السكان الصينيين واليابانيين في المدينة ودمرت ممتلكاتهم الشخصية.
خلال الحرب العالمية الثانية، تم طرد 22000 من الكنديين اليابانيين من مسافة مئة ميل من المحيط الهادئ، وتم اعتقال الآلاف، وفي نهاية الحرب، تم تشجيع “العودة” إلى اليابان فغادر 4000 شخص، ثلثيهم من المواطنين الكنديين.
في عام1908، طبقت الحكومة الكندية قاعدة “الرحلة المستمرة” بشكل صارم ضد الآسيويين مستثنية الأوروبيين. تطبيق هذه القاعدة هدف بشكل غير علني للحد من المهاجرين الهنود المحتملين حيث لم تكن هناك في ذلك الوقت رحلة مباشرة من الهند الى كندا. في عام 1914 اعترضت مجموعة من 376 هندياً على هذا التقييد، ووصلوا إلى فانكوفر على متن سفينة. وبعد شهرين من مكوثهم في المرفأ وتحدي محكمة فاشلة، أجبروا على العودة.
على الرغم من أن كندا في القرن التاسع عشر كانت تمثّل الحرية لبعض الأمريكيين السود الذين هربوا من العبودية عبر السكك الحديدية تحت الأرض، إلا أنه مع بدايات القرن العشرين، شهدت كندا ممارسات تمييزيّة مدفوعة بالعنصرية المحليّة لمنع هجرة السود الى كندا بلغت أقصاها بين عامي 1911-1910 حيث حاولت سلطات الهجرة الكندية إيقاف وصول المهاجرين من أصول أفريقية من الولايات المتحدة بشكل غير مباشر من خلال فرض عقوبات على شركات السكك الحديدية التي كانت تدعم نقل السود، وفرض إجراء فحوص طبية إضافية صعبة للغاية، وتوظيف وكلاء لتثبيط الأمريكيين السود عن القدوم إلى كندا.
في عام 1931، طبقت الحكومة سياسة الهجرة الأكثر صرامة في التاريخ الكندي. كان المهاجرون المقبولون مقتصرين على الرعايا الأمريكيين والبريطانيين والمزارعين الذين كانت لديهم وسائل كافية للزراعة في كندا.
إلغاء العنصرية والانفصال الجذري عن الماضي كان في عام 1967 الذي شهد تقاعساً حاسماً لسياسات الهجرة التمييزية وتحولاً جذرياً نحو سياسات عززت الأهداف الكندية الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكذلك أولويات لم شمل الأسرة، والتنوع، وعدم التمييز. فقد اعتمدت سياسة الهجرة الكندية نظام النقاط المبني على أساس الجدارة والمؤهلات كأساس لتقييم المهاجرين بصرف النظر عن عرقهم أو لونهم أو أصلهم القومي أو البلد الذي جاؤوا منه. وباتت كندا اليوم ترحب بالمهاجرين من حوالي 175 دولة كل عام, غالبيتهم من الهند تليها الصين والفلبين ونيجيريا والولايات المتحدة.
على الرغم من أن نظام النقاط هدف إلى الغاء التمييز العنصري لكنه افتقر الى الموضوعية وتعرّض لانتقادات واسعة لأنه تبنى تمييزاً من نوع آخر بإعطائه الأفضلية للعمالة العالية المهارة مستثنياً بذلك مواطني بلدان تفتقر الى البنى التحتية التي تسمح لمرشحي الهجرة باستيفاء متطلبات التعليم والخبرة العملية المطلوبة.
תגובות