بقلم: رحاب سعدة
فيلم “سر طاقية الإخفا” عن طاقية من يلبسها يختفي عن الأنظار فيلم قديم ظريف وفكرة مغرية يحلم بها البشر كثيراً، وقد يكون لكل منا خططته المريبة او الجميلة في استغلال طاقية الإخفا لو وجدت.
لفكرة الإختفاء جانبان، هناك جانب أخلاقي فلسفي تطرحه فكرة “الإختفاء” عن عيون الناس وبالتالي التحرر من قيودهم وأحكامهم وقوانينهم، والقدرة على العبث في الحياة دون تبعات للفعل أو قدرة الآخرين على إثباته، وهناك جانب علمي عن إمكانية حدوث الاختفاء أصلاً، وقد ظل هذا الجانب مادة للخيال العلمي والقصصي بأشكال متعددة، منها الطاقية أو الروب الذي يخفي من يلبسه، أو دواء يشربه الإنسان يحوله الى شبح غير مرئي حتى يزول تأثير الشراب أو حتى جهاز بأشعة معينة تخفي من يتعرض لها عن الأنظار.
لكن دعني أدعوك لوضع قصص الخيال العلمي جانباً وأن تستعد للمستقبل ... فالعلم سيأتي لك بطاقية الإخفا بشكل علمي حديث قائم على حسابات وامكانيات علمية ... سأشرح لك الجانب العلمي، وأترك لك البعد الإنساني والفلسفي تلاعب به فكرك وضميرك في هذا الموضوع الشائك.
الإختفاء أو التخفي عن الرصد من أجهزة تتبع مثل الرادارات أو شاشات التتبع العسكرية بالفعل متحقق، هناك طائرات تستطيع أن تتخفى عن أجهزة الرصد، فتلك الأجهزة تعمل على التقاط الموجات الصوتية التي تحدثها الطائرات أثناء عبورها أو الكشف الحراري عن أي محرك يولد طاقة وحرارة في اثناء طيرانه، فتم تزويد الطائرات بمعدِلات ومنظِمات لدرجات الحرارة ومثبط للموجات الصوتية وبالتالي لا يستطيع الرادار رصدها.
لكن ماذا عن العين المجردة التي تنظر مباشرة للأشياء؟ هل نستطيع الإختفاء من رؤيتها؟ نظرياً وعملياً أيضاً الإجابة نعم!
فالرؤية العينية تتم عن طريق سقوط الضوء علي الجسم ثم انعكاسه الى العين، حيث تلتقط الصورة المنعكسة ويتم ترجمتها في المخ لنرى الجسم الذي امامنا، لكن لو هذا الجسم فقد القدرة علي عكس الضوء المسلط عليه فلن يصل الى اعيننا أيّة صورة وسيكون بمنزلة فراغ غير مرئي.
وكيف يتم ذلك؟ هنا يدخل الإنسان بتجاربه وخبراته المتراكمة في اكتشاف خصائص مميزة لنسيج مصنع من نانو السيليكون metamaterial قادر على امتصاص الضوء الساقط عليه، أو بعثرة حزم الضوء لتنكسر حوله الى ما وراء النسيج وبذلك يتم خداع العين فترى انعكاس الضوء على ما خلف النسيج ولا ترى النسيج نفسه، واذا تم تغليف ما نريد إخفاؤه بهذا النسيج فهو يغطيه ويكسر الضوء حوله فيختفي عن النظر.
وهذا ليس معناه أن الشيء نفسه سيتلاشى، لكنه فقط سيصير غير منظور ولا يمكن كشفه ولا رصده باستخدام علم الضوء وقوانين انكساره وانعكاسه، ولتقريب للصورة للأذهان تذكر كوب الماء الذي يحوي معلقة عندما يسقط عليها الضوء فتظهر المعلقة وكأنها منكسرة بين خط الماء والهواء، هي القانون ولكن في ال metamaterial تحريف كامل لمسار الضوء وانعكساه بحيث لا يرد صورة الجسم الى العين الراصدة.
رغم نجاح هذه التجربة في المعمل لكن يظل أكبر تحدٍ لها هو التكلفة العالية لصناعة هذا النسيج بهذه التكنولوجيا خاصة عند الحاجة الى قدر كبير من هذا النسيج لإخفاء اجسام كبيرة الحجم، لكنها معضلة مرهونة بالوقت البسيط لتوفر الإمكانيات بأسعار أقل.
هنا يأتي السؤال الفلسفي ماذا يجره علينا “التخفّي عن الأعين” من مشاكل ومنافع؟ أعتقد أن الدراما أسهبت كثيراً في تصوير احتمالات الكوارث التي قد يتسبب فيها الإنسان أذا أصبح خفياً، فقد يطلق هذا الوحش بداخله ويدفعه لفعل كثير مما يمنعه القانون وهو آمن العواقب، لكن العلم عندما يعمل على هذه الاختراعات تكون عينه دائماً على المنفعة الكبيرة التي يمكن أن يحققها باكتشافاته، ومنها المنافع العسكرية التي قد تحمي الطائرات المقاتلة من الرصد والضرب، ولكن هناك منافع مدنية في حالة السلم ايضاً، منها مثلاً الطبيب الذي يجري جراحة دقيقة وسيستطيع أن يتخطى حواجز اليدين والأجهزة المستخدمة أثناء الجراحة وليحصل على رؤية واضحة وكاملة للعضو الذي تتم عليه العملية وفي هذا دقة ومهنية أعلي. ى
ترى.. ماذا ستفعل انت لو استطعت الاختفاء عن الأعين؟
Comments