top of page

في ذكرى رحيل“عاشق فلسطين”


بقلم : ناريمان الكرادي



نستذكر في التاسع من آب 2020 رحيل شاعر المقاومة الفلسطينية، الكبير محمود درويش. ثلاثة عشر عاماً مرت وهو باق في روح ونبض كل من يعشق الوطن، وباق في الأرض بكتاباته ومقالاته وخطبه التي أصبحت جزءاً مهماً من النسيج الثقافي العربي.

لم يكن درويش شاعراً فحسب، بل كان كاتباً وسياسياً، والأهم من ذلك كان عاشقاً مخلصاً لفلسطين. درويش الذي ترعرع تحت الحكم العسكري الإسرائيلي أدرك منذ طفولته المبكرة أن مشاكله يمكن حلها من خلال سحر اللغة وقوة الكلمات. لم يكن قد تجاوز الثانية عشرة من عمره عندما دعاه أستاذه في المدرسة الابتدائية لإلقاء قصيدة خلال احتفال إسرائيل بعيد استقلالها. كتب درويش قصيدة عكست السخرية من إجبار العرب على المشاركة بهذه الاحتفالات، فما كان من الحاكم العسكري إلا أن استدعى الطفل محمود درويش إلى مكتبه ووبخه بقساوة. لم يخف الطفل ولم يرتدع فقد كان مقتنعا بأنه كتب الحقيقة وشعر بالسلام مع كلماته.

هذه التجربة كانت نقطة تحوّل دفعته الى التعمّق في اللغة كوسيلة قوية للتعبير وباتت اللغة بالنسبة لدرويش “الوطن والذات -إنها خارج المكان والزمان، فمن خلال اللغة سيحمل الفلسطينيون المكان والزمان”

أصرّ على هويته كشاعر حتى في أقسى الظروف، بما في ذلك الغزو الإسرائيلي عام 1982 وقصف بيروت الذي عاشه بشكل مباشر. لقد استخدم اللغة كدرع للدفاع عن نفسه ضد الإبادة الجسدية (“الشعراء قد يموتون، لكن كلماتهم تدوم”) وكسلاح ضد محو تاريخه وثقافته وذكرياته: “أريد أن أجد لغة تحول اللغة نفسها في الصلب للروح -لغة تستخدم ضد هذه الحشرات الفضية البراقة، هذه النفاثات“.

رفض محمود درويش الانصياع لفقدان الذاكرة المفروض على الفلسطينيين، وهذا ما دفعه لكتابة مذكراته. بالكتابة ناضل من أجل إحياء ذكرى التاريخ الذي سعى المحتلون إلى محوه. وبالكتابة حافظ على وجود “عالم فلسطين المفقود”. إن بلدة بروح، مسقط رأسه، ليست سوى قرية واحدة من أصل خمسمئة وواحدة وثلاثين قرية فلسطينية “تم محوها كلياً ومنهجياً من على وجه الأرض على يد العصابات الإرهابية الصهيونية في عام 1948”.

الكتابة من زاوية درويش، لم تقتصر فقط على الحفاظ على ذكريات شعب تم محو وجوده بالكامل، لكنها كانت وسيلة لتجاوز ذكرياته المؤلمة والتغلب عليها. فقد أراد درويش أن ينسى “أطول يوم في التاريخ”، اليوم الذي فرضت فيه إسرائيل حصاراً على بيروت. درويش يجب أن ينسى لكي يعيش. لكن عليه أن يتذكر لكي ينسى، لأنه إذا كان من الممكن جعل الكلمات قوية، فيمكن لبعض الكلمات أن تدفن أخرى. أن تتذكر أن تنسى.

بعد الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، انتقل درويش بين فرنسا وسوريا وتونس وقبرص والقاهرة قبل أن يعود إلى فلسطين.

في 6 أغسطس 2008، خضع درويش لعملية قلب مفتوح في هيوستن، تكساس ودخل في غيبوبة لم يشف منها قط وتوفي بعد ثلاثة أيام. أعيد جثمانه إلى فلسطين حيث دفن في رام الله بالضفة الغربية المحتلة وشارك في جنازته الآلاف من الفلسطينيين.


Comments


bottom of page