بقلم: د. داليا حمامي
““لو كان لكل قتيل كتاب، لصار العراق بمجمله مكتبة كبيرة يستحيل حتى فهرستها”
يأخذنا الكاتب العراقي محسن الرملي في روايته “حدائق الرئيس” إلى قرية نائية من قرى العراق، تستقبل في أحد صباحاتها تسعة صناديق من الموز، في دولة لا تعرف زراعته، وفي كل واحد منها رأس مقطوع لأحد أبنائها، لنبدأ بالتعرف على قصة صاحب أحد هذه الرؤوس وهو ابراهيم قسمة، الذي شاءت قسمته وأقداره أن يعمل في أحد قصور الرئيس السابق صدام حسين كبستاني في واحد من أجمل القصور الرئاسية في البداية، ثم حفار قبور، ليدفن بيديه مئات الجثث المعذبة والمشوهة بفظاعة، فيكون الشاهد الوحيد على مجازر يومية تحدث في ثنايا الليل بعيداً عن العيون، وعن التوثيق أيضاً.
ابراهيم قسمة وأصدقاؤه طارق المندهش وعبد الله كافكا، لكل منهم قصته التي قد يفترض الواحد منا أنها عادية طالما تحدث في قرية منسية، لكن أينما كان الإنسان سيحل شيء من اللامنطق، وشيء من الوحشية، وربما الشيء الكثير من خراب النفوس:
“لا أدري كيف لإنسان أن يكون على هذا الفرح لأنّ إنساناً آخر خائف ومرتعب منه وفي قبضته، لاحقاً أدركت أن قسوة الآدمي تفوق وحشية أي وحش آخر”
يستعرض الكاتب تاريخ العراق قبل الحرب العراقية الإيرانية وحتى تداعيات سقوط نظام صدام، والفوضى العارمة التي حلت في العراق عقب الغزو الأمريكي، وضياع الحق والتباسه بالباطل.
الوصف في الرواية قوي وقاسٍ، خاصة عند وصف تعذيب الأسرى العراقيين في إيران أو الجثث المشوّهة للمعارضين، والتي كان على ابراهيم قسمة أن يدفنها دون أن يحدّث، حتى نفسه، عن أمرها.
كمية المشاعر في النص هائلة ومتناقضة تجعلك تختنق وتتوقف عن القراءة، أما الحوارات الداخلية والسرد وبناء الشخصيات فهو لافت وجذاب بطريقة لا تخلو من تشويق، لكن يعاب على الرواية بعض المقاطع الإباحية والألفاظ المباشرة التي لا ضرورة لها، والجميل فيها مقدرة الكاتب على صياغة ما يعتمل في نفوسنا بلغة ومفردات بسيطة لكن على قدر كبير من البلاغة:
“ وإن كنت قد صرت على اقتناع بأن الشر والجانب الحيواني في داخل البشر هو أضعاف ما فيهم من إنسانية.. يضمر الآدمي في أعماقه حيواناً بدائياً متوحشاً مربوطاً بحكم المنظومة الخارجية، ولكنه سرعان ما ينفلت في ظروف طارئة يضعف فيها الرقيب كانقطاع الكهرباء مثلاً، أو الفوضى…. أو الحرب”
Commenti