top of page
صورة الكاتبThe Ambassador Team

عتبة الألم.... انت فلسطيني شو دخلك؟


بقلم: د. داليا حمامي

هي الجملة التي كانت تواجه الكاتب حسن سامي يوسف، كلما أراد أن يبدي رأيه أو أن يتعاطف مع إحدى الجهات في الأزمة السورية، هي الجملة المخيفة التي حفرت في دواخله قهراً لا ينسى، بعد أن نسي الجميع أن فلسطين كانت جزءاً من سوريا الكبرى، وأنه في زمن ليس بالبعيد، كان الفلسطيني يقول عن نفسه، أنه سوري من القدس أو الخليل.

هي ليست رواية بالمعنى الدقيق، هي مذكرات شخصية، ويوميات ومشاهدات، عن الألم والحزن الذي غمر عاصمة الياسمين، التي يخشى الكاتب تحولها إلى عاصمة الشحادين، وعن النساء الكثيرات اللواتي مررن في حياته، وتأثيرهن عليه وتأثيره عليهن.

يمكنك من خلال النص استشعار مدى محبة الكاتب لدمشق، وخوفه وحزنه عليها، وربما منها أيضاً، وهي التي فتحت ذراعيها له ولأبناء بلده، واستقبلتهم بكل حب، وهي الآن تزرع الكراهية ضدهم في نفوس أبنائها تحت ذريعة (انت فلسطيني شو دخلك) لدرجة أن أحد أقرباء الكاتب لم تقبله أي مقبرة كي يدفن فيها، فاضطر أولاده لدفنه في البرية.

الوصف في الرواية جميل وشائق، واللغة جاءت بالفصحى و بالعامية، وأحياناً تجد النوعين في الجملة الواحدة مما أضعف قوة اللغة المستخدمة برأيي، كنت أفضل استخدام نوع واحد .. لكن بقيت لغة العمل قريبة من القلب بشكل عام، ومغلفة بحب كبير، وحنين إلى دمشق ربما لن نعرفها مجدداً كما عهدناها، خلال فترة قريبة.

في الرواية تساؤلات لا إجابة لها، سوى العبثية، لم يحصل في سوريا ما يحصل؟ لم كل هذا الموت؟ لم كل هذا الدمار؟ ويصوغ الكاتب هذه التساؤلات بطريقة صادقة تصل للقلب مباشرة:

(نحن نتسابق في الرداءة.. إلى أين وصلنا يا الله؟ وماذا زرعنا لنحصد هذا الخراب كله؟ ما دام الجني هذه الكوارث فما طبيعة الشرور التي زرعنا؟، الأمر يحتاج إلى بحث مستفيض. إننا غالباً ما نتباهى بأن دمشق أقدم عاصمة مأهولة في العالم، و لكن هذا الكلام يحمل في طياته إهانة كبيرة لنا، نحن الأقدم.. اذاً نحن أصحاب الخبرة الأكبر، فالخبرات تراكمية.. ما الذي تراكم لدينا في واقع الحال؟)

يأتي لاحقاً وصف لحال دمشق قبل الكارثة، إذ يقول الكاتب:

(أظن أن دمشق عام ٢٠١٠ احتلت المركز ١٥٧ في عالم الإنترنت، لدينا شبكة كهرباء فائقة التخلف، أما هذا الاختراع العجيب الذي اسمه طرقات، فإننا نتحدى به شوماخر نفسه، وليحضر معه من شاء من المتسابقين الأقوياء إلى حلبة تخلفنا، سوف نصرعهم جميعاً بالضربة القاضية.)

يدخلنا حسن سامي يوسف الى عالمه الشخصي جداً، عالم النساء في حياته وهو المتعدد العلاقات، لنتعرف على نماذج نسائية متنوعة تضيء أمامنا مساحات وزوايا مختلفة من الواقع الدمشقي، كما يخبرنا قصة الشتات الفلسطيني الخاص بعائلته وعن وفاة أخيه في مخيم نهر البارد في لبنان، بعد الشتات الثاني له، وتركه لمخيم اليرموك.

يذكر أن مسلسل الندم قد ارتكز في عدة جوانب على هذه الرواية، التي أنصح بقراءتها رغم طولها نسبياً، فنحن هنا سنقرأ عن واقعنا، من خلال قلم كاتب محترف، يعرف تماماً ما معنى التيه والخيبة التي يعيشها السوريون الآن، هو الذي يعرف معنى قهر ضياع الوطن الأول، وقهر جفاء الوطن الثاني، عندها لن يصبح لديك عتبة ألم، بل عتبة وجع، عتبة خيبة لا قرار لها.


٠ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

كي لا ننسى .. احنه مشينا للحرب

بقلم: نزار العوصجي ذات مرة في الثمانينيات جلست وأنا مسافر بالقرب من فتاة تبين أنها من البصرة، وهي طالبة في المرحلة الرابعة بجامعة صلاح...

Comments


bottom of page