top of page
صورة الكاتبThe Ambassador Team

سيدات القمر



بقلم: د. داليا حمامي

الرواية التي فازت بجائزة البوكر البريطانية لعام ٢٠١٩ عن فئة الروايات المترجمة.. رواية سيدات القمر، لكاتبة من سيدات الكتابة بالفعل، إنّها العُمانية جوخة الحارثي.. التي تأخذنا بلغتها الساحرة وحواراتها الشائقة ووصفها البديع، إلى قلب المجتمع العماني، في أربعينيات القرن الماضي، عندما كانت السلطنة مركزاً لتجارة الرقيق.

يتجه الكُتَّاب العرب حديثاً إلى مفهوم جديد للرواية، وهو الحكايات المتنوعة المروية بلسان أبطالها، دون حبكة أساسية أو حبكات جانبية، ورغم أنهم بهذا يسقطون أهم عنصر من عناصر الرواية، إلا أن اعتماد هذه التقنية، يمنح القارئ نوعاً من الهدوء، ليستمتع بجمالية المفردات والتراكيب والتشابيه، ويتطلب حنكة وبراعة في السرد من طرف الكاتب، كي يحافظ على مستوى التشويق المطلوب.

تحكي سيدات القمر بشكل أساسي حكاية ثلاث أخوات، هنَّ ميا و أسماء و خولة.. ميا المولعة بالخياطة، والتي تزوجت من شخص لا تحبه، لكنه وقع في غرامها لحظة رؤيتها خلف ماكينة الخياطة:

(و حين رأيت ميا.. حزينة و جميلة و شاحبة، منحنية على ماكينة الخياطة، كأنها ستحضن طفلاً، أصبحتُ أكثر خفة.. أوشك أن أتلاشى في نغم العود، أوشك أن أذوب في غشاوة الشحوب في وجه ميا، أوشك أن أصبح سيلاً يجرف ماكينة الخياطة ويعلقني مكانها، أوشك أن أشعر بطينتي الأولى تتخلّق من جديد في أصابع ميا النحيلة)

أما أسماء فتزوجت زواجاً تقليدياً بخالد.. خالد الفنان المبدع، الذي وصفته الكاتبة بقولها:

(خالد فلكٌ مكتمل، يعرف تماماً ماذا يريد و لديه كل شيء، وحين انجذب لأسماء وهي تتأمل لوحاته بعيون دهشة، كان قد قرر الزواج بامرأة على شيء من التميز.. فعل ذلك لأجل أن تدور هذه المرأة في فلكه المكتمل، لا لأجل أن تشكّل فلكاً موازياً لنفسها، كانت زوجة تصلح للمباهاة، تضفي اللمسة النهائية لقبوله اجتماعياً، الزوجة الحرة في حدود فلكه وليس خارجه)

أما خولة.. فقد انتظرت ابن عمها لسنوات كي يأتي لخطبتها، وعندما فعل.. تزوجها بناء على وصية والدته، بعد أن تلاشى حبها من قلبه، وظل على مدار عشر سنوات، يزور خولة كل عامين لبضعة أيام ثم يعود إلى صديقته في كندا، إلى أن طُرد منها وعاد إلى زوجته وأولاده، الذين لم يواكب طفولتهم وبالكاد يعرف أسماءهم، ليصبح على مدى عشر سنوات أخرى، مثال الزوج المطيع المقدّر لزوجته وأسرته، فتطلب خولة حينها الطلاق منه، بعد أن كبر أبناؤها. هنا تتألق الكاتبة في وصف مشاعر خولة وسبب طلبها للطلاق:

(السنوات سحبت الكلام وراءها، و حين نبت على ظهرها أنكرته، أكلته كما تأكل بعض الكائنات صغارها، و خولة لا تنسى كل ما حل بها، كل شيء فتت الروح بجدارة و عناية بالغة، كل يوم غرس منجله في التربة الباطنية الأعمق، و قلبها و ذرّها، ولم يبق في قاع الروح ترابٌ نديّ يصلح للزرع، أرادت أن تقول له: كان أي شيء سيكفيني.. أي شيء سيملأ السلال الممدودة لك وحدك .. أي شيء. رسالة ورقية من كلمة واحدة.. رنة بعد منتصف الليل.. منام خاطف لا تولي فيه ظهرك.. خطوة واحدة.. التفاتة واحدة.. أي شيء. أي شيء كان كثيراً.. لكن أي شيء لم يأت.. والآن كل شيء لا يكفي.. كل شيء أقل من يبرعم ورقة واحدة، في حقل صقعة الشتاء)

تتواصل الحكايات لنتعرف على حكاية أم الأخوات الثلاث، وأزواجهن، وحكاية الأب، وحكايات العبيد، بشقائهم وبؤسهم، وإهمالهم من قبل أولادهم.

تتميز كل قصة بصدق كبير، وكم من المشاعر يلامس القلب، ويسحب من عين القارئ دمعة لا تقاوم:

(لما جاء نعي معاذ استسلمتْ بهدوء، وأقامت عزاء حسب إمكانياتها المتواضعة، وماتت من دون أن يشعر بها أحد، ماتت كل يوم، وكل ليلة، عشر سنوات.. تتنفس و تأكل و تشرب و هي ميتة، تكلّم الناس و تمشي بينهم.. وهي ميتة، حتى أسلم جسدها روحه الميتة أخيراً، و كف عن التظاهر بالحياة)


٠ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

كي لا ننسى .. احنه مشينا للحرب

بقلم: نزار العوصجي ذات مرة في الثمانينيات جلست وأنا مسافر بالقرب من فتاة تبين أنها من البصرة، وهي طالبة في المرحلة الرابعة بجامعة صلاح...

Commentaires


bottom of page