top of page
صورة الكاتبThe Ambassador Team

كابوس مخيم بحنين

بقلم: جهاد آدم



مأساة الشتاء وبرده القارس لم تعد فصلاً في معاناة اللاجئين السوريين, والمخيم الذي طالما عهدوه ملجأ لهم لم يعد لهم فيه مكان.

صباح رمادي حزين رسمته كومة من الرماد تركت ظلالاً دخانية شوّهت صفحة وردية من صفحات علاقة اللاجئ السوري بوطنه الثاني لبنان. التهمت النيران صفحة كان التعايش والتكامل عنواناً لها ونثرت رماداً مظلماً على صفحة عنوانها الخوف والقلق.

ليلة مرعبة قست على أبناء مخيم بحنين جددت مأساتهم ورسّخت عجزهم, ليلة شهدت ناراً مستعرة التهمت خيامهم وحوّلت مخيمهم قطعة من الجحيم.

ليلة مرعبة رسمت وقائعها نيران جريمةٍ متعمدة من قبل مجموعةٍ شذّت عن قواعد الطبيعة البشرية، لتحوّل ليلة 26 ديسمبر الى مشاهد مأساوية متراكمة أبطالها نازحون سوريون قست عليهم الظروف.

المشهد الاول للطفل “عادل” يركض باتجاه خيمة ضمته مع أهله “يا أمي المخيم عم يحترق.” “عادل” يتعثّر ويقع أرضاً لكنه يرفض الاستسلام فينهض ويحثّ الخطا لكنّ قدمه تنغرس في الوحل وكأن الظروف تضع عراقيل تعيق تقدمه. “عادل” مصمم على متابعة تقدمه لا يريد لأي شيء أن يثنيه يخلع حذاءه ويكمل دربه بفردة حذاء واحدة يريد الوصول, قلبه يرتعش خوفاً على امه واخوته الافكار تلاحقه متمنياً أن يراهم كما تركهم منذ قليل يتناولون قطعاً من الجبن ويرتشفون كوباً من الشاي الساخن.

مشهد آخر للنار المستعرة وألسنة اللهب الآخذة في الامتداد من خيمة لأخرى تسلّط الضوء على “هوية “ الأرملة التي فقدت رجلها حديثاً فنراها تركض يمنة ويسرة علّها تجد مخرجاً يهديها كيف تنقذ أيتامها الثلاثة. “هوية “ حائرة من ستحمل أولاً, أتحمل الكبيرة ذات السنوات الخمس أم الرضيعة ذات الشهور الثلاثة؟

وأمام البوابة الرئيسة للمخيم مشهد آخر تتمزق له القلوب. النيران من كل جانب، حالة من الهلع والذعر رافقت بكاء الأطفال وعويل الأمهات اللواتي أجبرن على إلقاء أطفالهن من فوق السور.

في زوايا أخرى من المخيم هناك طفلة تبحث عن لعبتها وسط النيران وشاب يسند رجلاً عاجزاً وآخر يبحث عن أخوته لاهثاً ورجل يبكي جنى عمر التهمته نيران مستعرة.

ومع ساعات الصباح الأولى اتضح حجم الكارثة, لم تكن كابوساً كما تمناه سكان المخيم، فالمخيم محترق بالكامل.

مشاهد مروعة، الحسرة والدموع ملأت أعين الجميع، لم يبق شيء سوى الرماد والفراغ. كل نازح يواسي الآخر، لم يحترق المخيم فقط، بل قلوبهم احترقت أيضاً فها هي “هوية “ جالسة بالقرب من بقايا خيمة كانت ملاذ لها ولأيتامها, خيمة ردّت عنهم برد الشتاء وحر الصيف. “هوية “ تنظر حولها في الفراغ وتبكي بحرقة ولوعة عودتها وأطفالها الى العراء من جديد.

مخيم بحنين، هو أحد المخيمات المنتشرة في لبنان، مساحته لا تتجاوز 1500 متر مربع، كان يضم نحو 76 عائلة، أي ما يعادل 379 لاجئاً سورياً. في هذا المخيم لعب أبطال قصتنا “عادل” و”هدية” وآخرون ادوارهم متمنين لو كانت كابوساً يستيقظون منه لمواجهة عدو كانوا يظنونه الأقسى, إنه الشتاء بسيوله التي جرفت خيامهم وثلوجه التي هدمتها تاركة اياهم بين براثن برد قارص متجمدين.


مشاهدة واحدة (١)٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

كي لا ننسى .. احنه مشينا للحرب

بقلم: نزار العوصجي ذات مرة في الثمانينيات جلست وأنا مسافر بالقرب من فتاة تبين أنها من البصرة، وهي طالبة في المرحلة الرابعة بجامعة صلاح...

Comments


bottom of page