top of page
صورة الكاتبThe Ambassador Team

كلمــة العــدد

بقلم رئيسة التحرير غادة مفيد التلي


 

نمضي حياتنا معتقدين أن العمر مهما طال قصير، وأن الحياة لن تكفي إلا لفعل القليل، لاسيما إذا ركضت سنوات العمر وانقضت تعباً دون تدبير، فنصل منتصف العمر وكأننا في آخره؛ لكن بزيارة واحدة (لدار المسنين الكندية) قد نغير تفكيرنا ونكتشف أن العمر ليس رقماً، وأن هناك ما نستطيع فعله، حتى لو كنا فوق الثمانين أو التسعين، ابقوا معي، فلدي ما أخبركم به في هذا المقال الصغير.

بالأمس القريب قصدت مع أخي الصغير داراً كندية لرعاية المسنين؛ فهو يسعى أن يكون ما يسمى بلغتهم فلانتير والفلانتير في المجتمع الغربي محل احترام وتقدير. لم تمض دقائق قليلة منذ وصولنا حتى نزلت مديرة الدار لملاقاتنا من مكتبها بالطابق الثالث، وهيىء إلي للحظة أنني مسؤولة عربية في قاعة استقبال كبار الزوار؛ فتقديم عرض لعمل تطوعي دون الحصول على مقابل شيء مهم وكبير في ثقافتهم. بعد الترحيب بدأت جولتنا التعريفية بالمكان، واحترت، يا ترى أهي دار للمسنين أم فندق خمس نجوم يستمتع نزلاؤه بالحياة دون مسؤوليات او تقييد حرية!

فعلى الرغم من تقدم أعمارهم إلا إن روحهم مازالت تعانق جماليات الحياة، ينعمون بعيشة هنية، كلهم دون استثناء متبسمون.

لست هنا بصدد الكتابة عن نظافة المكان وجماله ووجوه العاملين فيه، فهذا أمر استهلك الحديث حوله والكل به عليم، لكنني بصدد إجراء مقارنة حصرية بين هذه الروح التي تسود الغرب وتلك الروح التي تسود الشرق - حيث واقعنا الأليم - وهذا هو محور القضية، بدأنا الجولة في صالات ممارسة الهوايات والرياضات ثم انتقلنا لأخرى حيث فنون الرقص والغناء، وثالثة قد امتلأت بعشرات الكمبيوترات؛ لكن أكثر ما لفت ناظري تلك الصالة لممارسة الهوايات من رسم وتلوين وأشغال يدوية. وكذلك شملت جولتنا صالونا لتجميل السيدات، يعج بعجائز متصابيات كأنهن في الأربعينات من عمرهن، واثنتين منهن يجلسان تحت مجفف الشعر وقد تزينت ظافرهما بمناكير أحمر اللون و أنابيب الأوكسجين موصولة بأنفهما اصغرهما قد تجاوزت الثمانين ، اما كبراهما، فقد قصت المسؤولة علي حكايتها بعد ان لاحظت فضولي من كثرة ما طرحت من أسئلة عنها : (آليا) ذاك اسمها ، وهي شخصية مقالتي التي مازالت صورتها في مخيلتي رغم مرور ثلاثة أسابيع على زيارتنا الميمونة؛ (آليا) عجوز تضج بالحياة رغم سنيها التي تجاوزت المئة بعام ، ابتسامتها تزين وجهها الأبيض الجميل، زادها أحمر الشفاه جمالاً فوق جمالها، تذهب كل يوم إلى غرفة الكمبيوتر لتتفقد حسابها على الفيس بوك. تتطلع على كل ما هو جديد في اليوتيوب. تمارس (آليا) الرياضية كل يوم لمدة ساعة وفي نهاية كل أسبوع ترقص وتغني وتشرب النبيذ في سهرة تجمعها مع باقي النزلاء امرأة عمرها مئة وواحد وغيرها كثيرات في هذه الدار يعشن وكأنهن شباب، و يشعرنك أن العمر مجرد رقم، وأن للشيخوخة سحر خاص، قلوبهن مازالت تنبض عشقاً بالحياة بالرغم من مرور الزمن .

لن أكتب أكثر، اطلقوا لمخيلتكم أنتم أيها القراء العنان، واذهبوا الى الشرق البعيد وتساءلوا: ماذا عنكم يا أهل بلادي المسنين ومتوسط أعماركم لم تتجاوز الستين؟! هل دواؤكم مؤمن؟ وهل يزوركم أحدهم؟

هل جربتم ان تسهروا او تستمتعوا؟!

هل مازلتم تمارسون هواياتكم المفضلة؟! هل مازلتم تهتمون بمظهركم؟!

هل هناك من يهتم بكم؟! وهل حكوماتكم تؤمن اللازم لكم؟! وهل اقتنع الأبناء أن دار العجزة ليست عيباً ولا حراماً؟ ...

أما أنا فقد أنهيت جولتي وغادرت الدار وقلبي يرقص فرحاً واعجاباً بعجزة يحملون من العجز اسماً لا أكثر. منهم تعلمت معنى الحياة ومعنى أن نعيشها باستمتاع. اما لسان حالي فكان يردد : تباً لعجز الروح، لا لعجز العمر، ومساكين أنتم يا عجزة الشرق .


مشاهدتان (٢)٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

Comments


bottom of page