بقلم رئيسة التحرير غادة مفيد التلي
هذا هو العنوان الرئيسي لكلمة العدد التي كتبتها بصفتي رئيسة تحرير جريدة..
لقد شعرت بالحيرة والارتباك حين قررت الكتابة عن قصة جيمي.. هذه القصة التي أخذت حيزاً من تفكيري، وجعلتني أواجه أسئلة لا جواب لها عندي إلى الآن .. وما زاد حيرتي هو : هل يصح أن تتضمن كلمة العدد مثل هذه الموضوعات؟
لكني في النهاية عقدت العزم على أن أتجاوز حيرتي وتساؤلاتي، وأعتبر هذا المقال هو نوع من الاستثناء كي أتلقى ردودكم، سواء كنتم مؤيدين أم معارضين.
سأبدأ مقالتي بطرح بعض الأسئلة لإثارة عنصر التشويق لديكم.
من المسؤول عن مقتل جيمي ؟
هل هي أمريكا بلد الحريات و مراعاة حقوق الإنسان، أم هي العراق بلد الحرب والدمار؟
هل كان جيمي ضحية، يجب علينا أن نتعاطف معه، أم كان مجرماً يستحق العقاب ؟
أسئلة كثيرة شغلت تفكيري في هذه القضية الشائكة المتعددة الأطراف، حيث تتشابك الاحتمالات والتأويلات، وتختلف الآراء والتفسيرات.
لذا أرى نفسي متلحّفة اللون الرمادي مجبرة لا مخيرة .. لأننا أمام معضلة ولغز يصعب حله.
من هو جيمي ؟
هو شخص من أصل عراقي، ولد في اليونان، لكنه لا يعرف لنفسه وطناً سوى أمريكا، لأنه عاش فيها منذ كان عمره ستة أشهر، وحين بلغ سن ٤١ تم ترحيله إلى العراق، ضمن خطة أمريكا في ترحيل الأشخاص الذين ليست لديهم إقامة شرعية.
ما يجدر ذكره في قصة حياة جيمي أنه كان من أصحاب السوابق من سطو وسرقة وممارسة العنف الأسري. وهذا ما أدى إلى تعرضه للسجن وإصدار عدة قرارات بترحيله قبل القرار الأخير. لكن المهم في الأمر أنه كان قد تم تشخيص حالته النفسية بأنه كان يعاني من انفصام في الشخصية إلى جانب إصابته بمرض السكري.
ومع ذلك لم تراع حالته بل تم ترحيله إلى بلد يعيش حرباً حتى دون أن يزوّد بالدواء الضروري له .
السؤال الهام الذي يجب أن يتم طرحه هو:
لماذا لم ينل جيمي الجنسية الأمريكية قبل أن ينحرف عن الطريق القويم ؟
أليست عشرون سنة كافية لمنحة جنسية البلد الذي يقيم فيه ؟
هل كان انحراف سلوكه نتيجة لعدم منحه الجنسية؟
أو أن الأمر عكس ذلك ؟
ولمَ لم يتلق أي مساعدة طبية في بلد حافلة بالمصحات والمستشفيات؟
إني لم أختر الكتابة عنه تعاطفاً مع شخص ارتكب العديد من الجرائم ، ولا لأنه مريض نفسي وجسدي في آن واحد، بل بسبب الظلم الذي ناله حين تم ترحيله إلى بلد لا يعرف عنها شيئاً وليس له فيها أي قريب .. بمختصر العبارة لقد تم نفيه إلى بلاد الموت .
وبالفعل مات جيمي بعد شهرين من وصوله إلى العراق. عاش فيها مشرداً لا مأوى له، لا طعام يسد جوعه، لا دواء يقاوم مرضه.
مات غريباً، وحيداً ..
مات قبل أن يتحقق أمله في العودة إلى المكان الذي قضى عمره فيه، وقبل أن يلتقي بأهله من جديد.
لقد منعوه من العودة وهو حي يرزق، لكنهم لم يستطيعوا منعه من العودة و هو جثة هامدة ، ليدفن بالقرب من أهله الذين آلمهم ما حلّ به من ظلم وتعسف.
سؤالي الأخير هو:
هل كان جيمي يشكّل خطراً على الأمن القومي ليعامل هذه المعاملة الخالية من أي نوع من أنواع الانسانية؟
هل هو ضحية القانون والسياسة التي لا تعرف معنى للرحمة؟
أم هو ضحية المجتمع القاسي ؟
أترك الإجابة لكم .
Comentarios