top of page
صورة الكاتبThe Ambassador Team

كي لا ننسى .. عميد السياسة السورية والأستاذ الجامعي الذي قبل يد تلميذه الملوثة بالفحم

بقلم: ابتسام البغدادي


هو فارس الخوري الذي نال شهادة بكالوريوس في العلوم عام 1897 من الجامعة الأمريكية في بيروت.

دخل فارس الخوري السياسة من أوسع أبوابها، ومهدت له شخصيته الجذابة، وثقافته الواسعة المتنوعة له ذلك. ساهم الخوري في تأسيس المجمع العلمي العربي وهو مؤسس معهد الحقوق في دمشق ويعد أول نقيب للمحامين.

ترأس مجلس الأمن الدولي عام (1947 _ 1948) وأصبح رئيساً له في آب (1947) وترأس المجلس النيابي السوري عام (1936) و(1943) ورئيساً لمجلس الوزراء ووزيرا للأوقاف عام (1944).

هو أول ممثل دائم لسوريا في الأمم المتحدة، كان وزيراً للمالية والداخلية والمعارف وهو المدافع الشرس في الأمم المتحدة عندما ترأس الوفد السوري الذي كلف ببحث قضية إجلاء الفرنسيين عن سوريا.




فارس الخوري في مجلس الأمن

دخل فارس موعد الاجتماع الذي طلبته سورية من أجل رفع الانتداب الفرنسي عنها بدقائق قبل دخول المندوب الفرنسي وجلس على الكرسي المخصص لفرنسا ثم بدأ السفراء بالتوافد إلى مقر الأمم ولم يستطيعوا إخفاء دهشتهم من جلوس فارس الخوري في المقعد المخصص للمندوب الفرنسي تاركاً المقعد السوري فارغاً وهو يعد أحد مؤسسي الأمم المتحدة وواضعي نظامها والعارف ببروتوكول المقاعد المخصصة والمعروف برجاحة عقله وسعة علمه وثقافته. دخل المندوب الفرنسي ووجد فارس يحتل مقعد فرنسا في الجلسة فتوجه إليه وبدأ يخبره أن هذا المقعد مخصص لفرنسا ولكن فارس الخوري لم يحرك ساكناً بل بقي ينظر إلى ساعته، استمر المندوب الفرنسي في محاولة أخرى بأنه يجلس في مكان فرنسا ويجب تركها فوراً لكن فارس استمر يحدق في ساعته، بدأ المندوب الفرنسي ينفد صبره وحاول التهجم على فارس الخوري لولا تدخل السفراء بينهم وعند الدقيقة الخامسة والعشرين قام ورد عليه الرد التاريخي” جلست على مقعدك لمدة خمساً وعشرين دقيقة فكدت تقتلني غضباً وحنقاً وقد تحمّلت سوريا سفالة جنودكم خمساً وعشرين سنة وآن لسوريا أن تستقلّ ” وفي هذه الجلسة نالت سوريا استقلالها.


فارس الخوري قصد الجامع الأموي

ويذكر أيضاً أنه يوم أبلغه الجنرال غورو أن فرنسا جاءت إلى سورية لحماية مسيحي الشرق قصد الجامع الأموي يوم جمعة وصعد إلى منبره وقال:” إذا كانت فرنسا تدعي أنها احتلت سورية لحمايتنا نحن المسحيين من المسلمين، فأنا كمسيحي من هذا المنبر ” أشهد أن لا إله إلا الله ” فأقبل مصلو الجامع الأموي وحملوه على الأكتاف وخرجوا به إلى أحياء دمشق القديمة وخرج أهالي دمشق المسيحيون يومها في مظاهرات حاشدة ملأت دمشق يهتفون ” لا إله إلا الله لم يكونوا مسلمين ولا مسيحيين ولكن كل أبناء الوطن وهذا المشهد الوطني لاتزال دمشق تتذكره.

فارس الخوري المسيحي وزيراً الأوقاف

وهو مؤسس معهد الحقوق العربي وساهم في تأسيس المجمع العلمي العربي والذي كان الأغرب في مسيرته أنه تسلّم وزارة الأوقاف الإسلامية حيث قال عبد الحميد الطباع آنذاك قائلاً” إننا نؤمن بك على أوقافنا أكثر ما نؤمن على أنفسنا” نعم إنه الرمز السوري المضيء نموذج الإنسان المسؤول والساعي لخدمة المجتمع الإنساني بمعزل عن دينه.


فارس الخوري الأستاذ الجامعي الذي قبل يد تلميذه الملوثة بالفحم

في إحدى محاضراته التي كان يلقيها في جامعة دمشق دخل طالب متأخراً عن المحاضرة فسأله ما سبب تأخرك لكنّ الطالب ارتبك وتقدم من المنصة ليشرح للأستاذ بأن سبب تأخره “انني أشتغل فحاماً في الليل لأحضر المحاضرات” عندها أمسك الأستاذ فارس يد الطالب وقبلها أمام الطلبة.


رحيل فارس الخوري

رحل فارس الخوري في يناير 1962 عن عمر 85 عاماً قضاها في النضال وخدمة وطنه في الداخل والخارج. حزن وسواد خيّم على الشعب السوري برحيل صوت الأمة الحق.

لفّ جثمانه بالعلم السوري ووضع على عربة مدفع وشيّع جثمانه في احتفال رسمي وشعبي مهيب لكن كان من أهم وصايا فارس الخوري التي تركها في ورقة أن تتلى على روحه آيات من القرآن الكريم لذلك بعد تشيعه وكبرت المآذن وأذاعت نبأ وفاته بعدها أقيمت مجالس عزاء إسلامية ومسيحية في وقتٍ واحد توديعا وتأبيناً للراحل العظيم

فارس الخوري مناضلاً شجاعاً كان رمزاً من رموز الأمة والمدافعين عن حريتها واستقلالها الذين لم ولن يغادروا ذاكرة تاريخ الوطن.

كما كان رحمه الله من كبار رجال الفكر والأدب ، شاعراً وكاتباً وأديباً يهز المنابر بكلماته ويعبر عن نبض الأمة بكل صدق وعفوية

ملأت منظوماته الشعرية وكتاباته الصحف السورية والمصرية إلا أنّ انشغاله بعلوم السياسية والعمل الوطني والعلمي جعله ينصرف عن الشعر ولا يقوله إلا في المناسبات كمناسبة منحه جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية من قبل الرئيس جمال عبد الناصر. فالوطن يقدر رجاله العظماء ويسجل أسماؤهم في ذاكرته وفي صفحاته.

مشاهدتان (٢)٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

كي لا ننسى .. احنه مشينا للحرب

بقلم: نزار العوصجي ذات مرة في الثمانينيات جلست وأنا مسافر بالقرب من فتاة تبين أنها من البصرة، وهي طالبة في المرحلة الرابعة بجامعة صلاح...

Comments


bottom of page