بقلم : جهاد آدم
لم تكن زيارة ماكرون الى لبنان ووقوفه وسط الأنقاض التي خلّفها انفجار مرفأ بيروت ووعوده بالمساعدة وعدم التخلي عن مستعمر
ة فرنسية سابقة، تضامناً صادقاً مع أمة مذهولة من هول الكارثة ومحبطة من خيانة حكومتها، إنما كانت مجرد عرض فرنسي لمشهد صمّم ببراعة لاستغلال أمة جديدة منكوبة.
تقول الكاتبة الكندية الشهيرة نعومي كلاين في كتابها “عقدة الصدمة”، في لحظات الأزمات، يكون الناس على استعداد لتسليم قدر كبير من السلطة إلى أي شخص يدّعي أن لديه علاجاً سحرياً -سواء كانت الأزمة انهياراً مالياً أو ... هجوماً إرهابياً.” وهذا ما حدث خلال زيارة ماكرون فقد تقدمت شابة لبنانية من الرئيس الضيف وتوسّلت إليه بالدموع “سيدي الرئيس، أنت واقف في شارع الجنرال غورو الذي حررنا من العثمانيين، حررنا أنت من السلطات الحالية “. فإذا كانت كلمات المرأة مرتجلة حقاً وغير مكتوبة من قبل كاتب فرنسي حاذق، فهي تعكس حتماً أتعس مظاهر السياسة اللبنانية الحديثة باعتبارها دعوة صريحة لإنقاذ النفس بطلب الخضوع لمستعمر سابق. هذا هو جوهر “رأسمالية الكوارث” الذي تناولته نعومي كلاين في كتابها “عقدة الصدمة”.
نعومي أعادت سرد قصة الأيديولوجية الأكثر هيمنة في عصرنا الحالي، وأساليب سيطرة “السوق الحرة” على العالم. فقد دحضت كلاين الأسطورة الشائعة حول الانتصار العالمي السلمي لثورة ميلتون فريدمان الاقتصادية في السوق الحرة وكشفت أن الثورة استغلت لحظات الصدمة والعنف الشديد من أجل تنفيذ سياساتها الاقتصادية في أجزاء كثيرة من العالم من أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية إلى جنوب إفريقيا وروسيا، والعراق.
يصف كتاب “عقيدة الصدمة” التكتيك الغاشم المتمثل في الاستخدام المنهجي للارتباك لدى الجمهور بعد الصدمة الجماعية - الحروب والانقلابات والهجمات الإرهابية وانهيارات السوق والكوارث الطبيعية - لدفع الإجراءات الراديكالية والتي غالباً ما تسمى “العلاج بالصدمة”.
لنعود بذاكرتنا قليلاً الى الوراء، ففي أكثر المراحل التي تميزت بالفوضوية في الحرب الأهلية في العراق, تم كشف النقاب عن قانون جديد سمح لشركة شل وشركة بريتيش بتروليوم بالمطالبة باحتياطيات البلاد الهائلة من النفط وبعد أن اجتاحت كارثة تسونامي سواحل جنوب شرق آسيا تم بيع الشواطئ بالمزاد العلني للمنتجعات السياحية أما سكان نيو أورليانز الناجون من إعصار كاترينا فقد اكتشفوا أن مساكنهم العامة ومستشفياتهم ومدارسهم لن يُعاد فتحها أبداً .... هذه الأحداث هي بعض يسير جداً من أمثلة عديدة بنيت على مبدأ “عقدة الصدمة”.
للأسف، لبنان المدمّر اليوم مقبل على رأسماليّة كارثيّة جديدة تبلورت خيوطها الاولى بزيارة ماكرون واقتراحه لميثاق سياسي جديد. بالتأكيد لبنان بحاجة ماسة إلى ميثاق جديد، لكنه ليس بحاجة لمعاهدة فرنسية جديدة. فلم تكن فرنسا أبداً مصدر استقرار في لبنان الذي ظل يرزح تحت وطأة تأثيرها السام وتدخلها المستمر حتى نهاية الاستعمار الفرنسي الرسمي عام 1946.
Comments