بقلم: د. خالد طلعت
مشكلة القناعات المسبقة أنها لا تتسق مع الأسلوب العلمي الذي اتفق العالم المتحضر على اتباعه والذي يتحكم بالفعل في كل دقائق حياته.
تخيل مثلا ان تكون عالما فيزيائيا مسلما او مسيحيا او يهوديا او هندوسيا ملتزما ولديك قناعاتك المسبقة بالنسبة لطريقة عمل الأشياء وبداياتها، كأن تظن مثلا ان الأرض مسطحة او أنّ الشمس تولد كل يوم وتموت الخ.
هذه القناعة المسبقة سوف تحول بينك وبين محاولة التفكير والبحث عن تفسيرات بديلة لا محالة ومن ثم إجراء التجارب المطلوبة للتوصل الى الحقيقة التي تؤمن خطأً أنك بالفعل تمتلكها.
وحتى ان قفزت الحقيقة امام عينيك مصادفة فأنت في الأغلب سوف تتمتم سبحان الله او ما يقابلها ثم تلجأ لأي تفسير غيبي لما تراه واضحا أمام عينيك، لان تلك الغمامة تحجب عقلك وتُعَتِّم على تلك الحقيقة الجلية، وستظل الى أبد الآبدين تعتقد بما لا يدع مجالا للشك أنّ الأرض مسطحة وان الشمس تدور حولها.
فما الترجمة العملية لذلك سوى انك بالتبعية ستظل على نفس الحال التي كان الناس عليها قبل اكتشاف كروية الشمس وما ترتب عليه من علوم، فتظل تركب الحمار كل يوم في طريقك للديوان لتقوم بتدوين الخراج مستخدما ريشة تغمسها في دواة حبر مسمم ترسم بها الحروف ببراعة على صحيفة من جلد البقر، او على أحسن الفروض ستظل مجرد مستهلك ذليل لكل ما انتجه غيرك يمنعه عنك وقت يشاء، وهو بالضبط حالنا الآن.
لم يصل جاليليو الى الحقيقة التي أدّى اكتشافها والإقرار بها والعمل وفقا لمعطياتها الى ثورة تبعتها ثورات أدّت لكل التقدم الذي نرتع فيه جميعا الآن ولا نستطيع الاستغناء عنه، الا عندما وضع قناعاته المسبقة جانبا ونظر للأمور على حقيقتها بدون تلك الغشاوة!
لم يصل ديكارت الى ما توصل اليه من استنتاجات فلسفية فتحت المجال أمام العقل الإنساني ليسبر مزيداً من أبعاده الا عندما وضع قناعاته المسبقة محل الشك والاختبار!
ولنفس هذا السبب لن يصل زغلول النجار واياد القليبي وذاكر نايك وباقي أساطين الاعجاز العلمي ولا طبعاً أي من هذه الفئة المسماة بعلماء الدين ومن أي دين كانوا ومعهم من تبعوهم ممن استمرأوا حياة الدهماء الا الى مزابل التاريخ.
ولكن فئة منهم سيدخلون تلك المزابل أثرياء متخمين بأموال الجهلة والمغيبين وأنصاف المتعلمين بعد ان عاثوا في الأرض فسادا وضللوا أمما كاملة!
留言