بقلم: د. خالد طلعت
هناك خلط وتداخل كبير - متعمّد احياناً - في أذهان العامة بين مفاهيم مثل العلمانية والليبرالية والإلحاد، ولذا لزم تبديد اللبس حول العلمانية وتوضيح مبدأ فصل الدين عن الدولة.
مبدئياً لا تطرح العلمانية نفسها كبديل عن الأديان بل كوسيلة للتعايش السلمي المشترك “والمنتج” بين معتنقي “أو غير معتنقي” الأديان المختلفة تأسيساً على المبدأ البسيط الزاعم بأنك لا يمكنك أن تجبر الآخرين من أصحاب هذه الديانات والمذاهب والتوجهات العقائدية والفكرية المختلفة من أبناء مجتمعك على اتباع عقيدتك (مهما كانت رائعة ومهما كانت شدة إيمانك بها وحبك لها) وأن عليك إن كنت تريدهم أن يكونوا عناصر فعالة في هذا المجتمع أن تحترم أفكارهم وعقائدهم وأن توليهم واياها نفس القدر من الاهتمام والرعاية اللذين تعطيهما لأهلك وعشيرتك!
وهذا بالمناسبة هو العدل والإنصاف فهذا هو جوهر كل الأديان أو يجب أن يكون، فإن كنت تظنّ أن ذلك يخالف تعاليم دينك فهذا يعني فقط أنك تؤمن أن دينك لا يحض على العدل والإنصاف، وحتى في هذه الحالة عليك ان تدرك بعد كل ما شهدته منطقه مثل الشرق الأوسط من حروب وويلات على مر العصور أن زمان قمع مخالفيك في العقيدة وإخضاعهم لحكمك وإرادتك قد ولّى!
ما ذكر آنفاً هو التماس الوحيد بين العلمانية والأديان، فالعلمانية لا تحشر نفسها في حوار الأديان الا لتنسيق العلاقة بينها ولتمنع تغول أحدها على الآخر أو الآخرين!
لذلك فمن الضروري ان ندرك الفرق بين العلمانية وبين الليبرالية التي هي توجه سياسي وأخلاقي تزيد شدته أو تنقص من شخص لآخر ومن مجتمع لمجتمع، لذا يصح الادعاء بأن بعض البشر يكونون من متطرفي الليبرالية أي يؤمنون بالحرية المطلقة وبأقل قدر من الحدود والضوابط، وبالمقابل يصح أيضاً الادعاء أن البعض شحيحو الليبرالية أو بمعنى آخر متزمت اجتماعياً أو دينياً، أو قد يكون المرء اي شيء في المنتصف بين هذا وذاك فيؤمن ببعض الحريات زادت أو نقصت وينكر الباقي فيظل ليبراليا بدرجة ما!
أما العلمانية فليست توجه سياسي أو أخلاقي ولا هي تنظر لشيء ولا تبشّر أيضاً بشيء بل هي مجرد مظلّة عامة توفّر لك ولغيرك الفرصة في الحماية والعمل المشترك في ظلها، فإما أن تستظل بها وتنتمي اليها أو لا تنتمي، فلا توجد فيها درجات ولا وجود لعلماني نص نص، ولا علاقة لها كذلك بانتمائك الديني أو عدمه بل بتركيبة شخصيتك وأسلوبك في التفكير، فقد تكون مسيحياً أو مسلماً تقياً ورعاً وفي الوقت نفسه مؤمناً بأن فصل الدين عن الدولة بما يوفره لك ولغيرك من فرص للتعاون والعمل المشترك هو لمصلحتك انت بالأساس ومصلحة أهلك بل ودينك نفسه فتكون بذلك مسيحياً أو مسلماً علمانياً، أو أن تكون مؤمناً بالعكس من ذلك أي بحتمية الحكم المستمد من الدين ومباركاً لفرض أفكارك وعقيدتك على الآخرين بكل الوسائل المتاحة فتدخل معهم في حروب ونزاعات، فلا العلمانية في الحالة الاولى انتقصت من تدينك ولا نبذها والتنصل منها في الثانية هو دليل إيمانك، وأما الفيصل فهو قدرة كلا النظامين على توفير سبل النجاح للمجتمع!
وأخيراً بالنسبة إلى موضوع علاقة العلمانية بالإلحاد، مرة أخرى العلاقة والتماس الوحيد للعلمانية بالأديان وكذلك بالإلحاد (أو اللادينية في العموم) هو فقط كون العلمانية كالمظلّة التي ذكرنا سابقاً كيف تشمل الجميع (مسيحيين ومسلمين ارثوذوكس وبروتستانت سنة وشيعة متدينين أو غير متدينين الخ) بحمايتها، وكيف تضمن لكل انسان حقه في الاتفاق أو الاختلاف مع الأغلبية، كما تضمن حقه الطبيعي في الوصول الى قناعاته الخاصه وفهمه الدقيق للفضيلة وللأخلاق والنابع من وعيه وضميره الشخصي بلا اضطرار لممارسة تقية أو نفاق أو مجاراة لمجتمع، وهو بالمناسبة ما يحتاجه حقاً كل واحد منا مؤمنين كنا أو غير مؤمنين!
Comments