بقلم: الإعلامي فادي نصار
مستلقية الى جنوب المحيط الهادي، في منتصف الطريق بين أستراليا وهاواي، الجزيرة التي تمتاز بجمالها الأخّاذ، ذات المناخ
المنعش، والتي يمكن أن تتحول الى منتجع سياحي عالمي كبير، إلا أن الغريب في الأمر أن ليس ثمة في كل البلاد سوى فندق واحد ومطعمين. فما هذه البلاد التي يبلغ تعداد جيشها فقط 1900 عسكري وعدد أعضاء مجلس النواب هو فقط 18 عضوا؟
إنها “ناورو”، أو ما كانت تعرف قديما باسم “الجزيرة السعيدة”، أصغر دولة جزيرية في العالم (21 كلم 2)، وثاني أصغر دولة من حيث عدد السكان بعد الفاتيكان (14,000 نسمة) وتعد أصغر جمهورية مستقلة، وهي أيضاً البلاد الوحيدة في العالم التي ليس لها عاصمة رسمية (لديها مدينة مركزية تسمى مدينة يارين)، أضف الى ذلك أنها من أجمل بقاع الارض على الاطلاق، فماذا عن ناورو الجزيرة الخلابة؟
الجزيرة المرجانية: عندما تهبط الطائرة في مطار “ناورو” الصغير تتوقف حركة المرور، بعد أن يكون قد توقف قبلها نبض قلبك من الخوف، كون مطارها الوحيد من أغرب مطارات العالم، لأن مدرجه هو ذاته الطريق الرئيس الوحيد في البلاد ويبلغ طوله 33 كلم، وتتشكل ناورو من جزيرة مرجانية، بيضاوية الشكل تقع إلى الجنوب من خط الاستواء، وترتفع الجزيرة في معظمها إلى حوالي 60 متراً فوق مستوى سطح البحر، ويتوسط جزيرة ناورو هضبة غنية برواسب الفوسفات، وبالقرب من مركز الهضبة بحيرة ضحلة، محاطة بمساحة صغيرة من الأرض الخصبة، ويمتد حزام آخر من الأراضي الخصبة حول شاطئ رملي تتخلله المرتفعات، ومن أعلى المرتفعات بالجزيرة تقع إحدى المناطق في طرف الهضبة يصل ارتفاعها إلى 61 مترا فوق مستوى سطح البحر.
الصحة: تسجل في جمهورية ناورو أعلى نسبة في العالم من الإصابة بمرض سكر الدم، ووفقا لإحصاءات رسمية نشرها (الاتحاد الدولي لمرض السكري) يعاني أكثر من 30 بالمئة من سكانها من هذا المرض. يعتبر العامل الوراثي أحد الأسباب المحتملة، لكن ثمة عوامل أخرى أيضا مثل السمنة وقلة ممارسة الرياضة يمكن ان يؤديا إلى الإصابة به أيضا، لذلك يجب ألا نفاجأ إذا علمنا ان أكثر من 90 بالمئة من سكان الجزيرة يعانون من الوزن الزائد، وان 60.5 بالمئة من الرجال و55.7 بالمئة من النساء مصابون بمرض السمنة.
الاقتصاد المنهوب: يعتمد اقتصاد ناورو اعتماداً شبه كلي على الفوسفات، وهذا الفوسفات ناتج عن روث الطيور البحرية، كانت ناورو تتمتع بثروة ضخمة من الفوسفات تدر عليها عائدات كبيرة، ولكن الآن أصبحت شبه مفلسة لدرجة أنها لا تستطيع تدبير نفقات البنزين. كما يشح زيت الوقود اللازم لتشغيل مولدات الكهرباء، وباحتياطي الفوسفات الذي أوشك على النضوب (نتيجة نهبه من قبل الدول الاستعمارية التي احتلت البلاد)، لم يعد لدى السكان أي بديل اقتصادي آخر بعد ان خسروا ثروة الفوسفات.
السمنة المفرطة: قبل الاستقلال، كانت هناك ثقافة لصيد الأسماك (مارلن، التونة الصفراء، الوثابة، والباراكودا) وممارسة البستنة (كانت هناك أشجار فاكهة ونخيل) وكان سكان ناورو يتناولون السمك الطازج والفواكه والخضروات التي تزرع في أراضيهم، ولكن مع انتعاش الاقتصاد وارتفاع مدخول الأفراد، استغنى الأهالي عن الزراعة والصيد وأصبحوا يستوردون المواد الغذائية المعلبة والمجمدة، ما أدى إلى ارتفاع معدل الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن بنسبة 94 بالمئة، 72 بالمئة منهم يعانون من السمنة المفرطة، وهي أعلى معدلات السمنة في العالم. كما أن أكثر من 40 بالمئة منهم يعانون من السكري من النوع الثاني، فضلا عن غيرها من المشكلات ذات الصلة بنوعية الغذاء، مثل أمراض الكلى وأمراض القلب.
التغيير المناخي: يتغير مناخ العالم كل يوم، وينتظر أن تتغير تضاريسه، فمع ارتفاع درجات الحرارة بسبب انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون الكثيفة في الدول الصناعية، تتآكل طبقات الأوزون التي تمنع أشعة الشمس الضارة من الوصول إلى الأرض، ما يؤثر على زيادة انصهار الجليد بالقطبين ليصل في النهاية إلى فيضانات تهدد بلدانا بأكملها بالغرق التام في المستقبل القريب، ومن هذه البلدان جزيرة ناورو التي عبث الانسان بطبيعتها بشكل إجرامي، الى درجة قيام البشر في ناورو وبشكل كثيف بعملية تنجيم الفوسفات في الحقول، الأمر الذي حول الجزيرة إلى أرض جرداء، حيث لم يبقَ تربة زراعية حقيقية، وبالتالي ليس فيها أي نوع من الزراعات الدائمة، باستثناء عدد قليل من أشجار النخيل الامر الذي أدى الى استيراد المواد الغذائية المحفوظة التي لها صلة بانتشار وباء السكري بين السكان. ومن أبرز الظواهر البيئية الخطيرة معاناة الجزيرة من قلة مصادرها المائية الجوفية، على الرغم من أمطارها الغزيرة والتي تعرضها على نحوٍ متكرر للفيضانات. ومن المتوقع أن تختفي هذه الجزيرة خلال 20 عاماً غرقاً تحت مياه المحيط التي سترتفع نتيجة للتغيير المناخي.
Comments