بقلم حسام الصعوب
قد تكون النقطة الثانية من نقاط علامنا _ الحقائق المطلقة _ واحدة من أكثر مواضيع الجدل الشائعة والعمومية بين صفحات الورق أو خلف الشاشات في الفضاء الالكتروني الرحب، لكننا وفي هذه المرة سنأخذ هذه الفكرة ونذهب بها إلى مساحة مكانية صغيرة _ سطور هذه المقالة _ ويعود لك عزيزي القارئ أن تحدد مساحة وجودها الزماني من وقتك لاحقاً.
لسنا بصدد تعريف الحقائق المطلقة والنسبية، ولن نتطرق لمفاهيمها المختلفة في الفلسفة، ولن نأتي بأي ذكرٍ لنقاط تميزها بين الفلسفة والعلوم! كل ما هنالك أننا _ أنا وانت _ سنعود بها إلى واحدة من أهم استعمالاتها العملية والأولية في حياتنا! والتي هي وبكل بساطة: وجودها بيني وبينك!
ليس مهماً في حديثنا اليومي أو تنافسنا في العمل أو حوارنا الأدبي والثقافي، أو في أي شكل كانت عليه العلاقة بيننا، أن تكون من أنصار الحقائق المطلقة أو النسبية، ما يعنينا حقاً هو ما ينتج عن هذه المناصرة أو الاعتقاد! فإذا كنتَ ممن يأخذون بالمفهوم النسبي للمعتقدات والأفكار، فأنت قد حللت المشكلة أصلاً! أما إذا كنت ممن يأخذون بالمفهوم المطلق لمعتقداتهم ومعتنقاتهم، فإنني أنصحك وبكل بساطة بـ: الأنانية!
كُنْ أنانياً في تعاملك مع أي حقيقةٍ مطلقةٍ تملكها، للدرجة التي لا تقبل فيها بمنحها لغيرك! اعتبرها كنزك الشخصي _ حتى ولو وجدت َ يقيناً من يشاركك إياها _ اعتبرها باكورة تجربتك الخاصة وفهمك الوحيد الصحيح لكل هذه الدنيا بما فيها، تمسك بها كما لو أنها من لحمك ودمك، هذه حريتك الفكرية والشخصية، ولكن افعل هذا كله وأكثر على صعيدك الشخصي! مارس هذا كله وأكثر على مستواك الفردي! لا تمنحني هذا الكنز الثمين _ في معرض علاقتنا الدائمة أو الطارئة _ بوصفه كنزاً وإلا طمعت فيه !! فأنت _ كما اتفقنا سابقاً _ تعامل حيازتك لهذا الكنز المعرفي بأنانية! فدافع عن هذا الكنز كما شئت في معرض امتلاكك له، ودعني أكتشف مواصفاته بنفسي عندما تضعه بيني وبينك! فلربما غفلتُ عن بعض أسراره _ التي يتميز بها من وجهة نظرك _ فلم أرغب باقتنائه، مما سيجعلك تمتلكه لوحدك! تصور كم تتماشى هذه الفكرة بجمالٍ مع الأنانية!
هذا ناهيك عن السؤال الواقعي والمزعج: كم ستكون قضيتك أصعب وأكثر حرجاً عندما تعرض هذا الكنز على سبعة مليارات من الناس؟! وكم سيكون من الأفضل لك _ ولربما لهم _ أن تلتزم بالصيغة التي ذكرناها من الأنانية، في تعاملك مع كنزك عندما ستعرضه عليهم جماعة ً كانوا أم فرادا !!
عزيزي القارئ, أن تؤمن بوجود حقيقة مطلقة من عدمها على الصعيد الفردي، فهذا شأنك وحريتك وخيارك، ولكن عندما تضع حقيقتك هذه في الميزان على المستوى الجمعي الإنساني، فإن صفة الإطلاق تنتفي عنها، لنفس السبب الذي أوجد لها هذه الصفة أساساً لديك، والذي هو: أن لكل فرد من الإنسانية حريته وخياره هو الآخر، ولا فرق في أن تشترك في هذه الحقيقة مع مجموعة أو فئة من الأفراد، لأنك ستجد دائماً من يخالفك الرأي فيها على المستوى الجمعي الإنساني، حتى ولو كان شخصاً واحداً.
وحتى تعرف _ عزيزي القارئ _ كم سيصبح الوضع مقيتاً وعقيماً في حالات الإطلاق الذي لا يلتزم الصعيد الفردي ويتجاوزه إلى المستوى الإنساني: هب أنك تؤمن يقيناً بامتلاكك لحقيقة مطلقة تتعلق بمعتقدٍ أو فكرةٍ أو أي شيءٍ مهما بلغت بساطته أو قيمته، فإنك كلما سمعتَ مني ما يخالف إيمانك ويقينك هذا، في معرض حوار أو نقاش أو حتى علاقة، ستكون بكل وضوح وبدون تجميل للعبارات: تسمعني ولا تسمعني! ولك أن تتخيل إذا كنت أنا الآخر أمتلك يقيناً أو إيماناً مطلقاً يخالف ما تعتقده أنت حول الموضوع نفسه، فكيف ستكون النتيجة؟! سنكون أنا وأنت مثالاً صارخاً عملياً جلياً لـ (حوار الطرشان) !!
وهذا ما يعيدنا أخيراً إلى نقطة العلام الأولى: (الفهم والقناعة)، لنسأل أنفسنا وبكل بصراحة ودون أي حياء: إذا كنا لا نسمع بعضنا بعضا ابتداءً!! فكيف لنا أن نفهم انتهاءً؟!!
Commentaires