بقلم حسام الصعوب
لعلنا كبشرٍ عموماً وكمشرقيين خصوصاً، نتعصب لآرائنا وقناعاتنا الفكرية – مع التفريق بين المبادئ والآراء -بشكل لا يدع أي مجالٍ للشك، حول جوهر خلافاتنا الحقيقي!
كيف لنا أن نتفاهم مع الآخر، إذا كنا لا نكلف أنفسنا عناء محاولة فهمه، ناهيك عن فهمه بشكل فعلي! فالأسلوب الدائم للتعامل مع أي مخالف فكري – إن صح التعبير – يتلخص مبدئياً بالاتهام بسوء الفهم كبادرة حسن نية، ثم الإتهام بالجهل كخطوة فولكلورية، ومن ثم يتصاعد للسخرية، وغالباً ما ينتهي بالصدام! هذه للأسف هي دورة التعارف الفكرية عند فئة قد تكون الأغلبية، وليس عند الجميع بكل تأكيد.
وضمن هذه الفئة التي تحدثت عنها، وفي خضم هذه الدورة المعرفية المقيتة لديهم، كثيراً ما تختلط المفاهيم، ويصطدم كل شخص بـ أناه الخاصة! فمن يسمعك يمنع نفسه من تفهمك ليس لعلة في أفكارك – قد تكون موجودة فعلاً – وإنما فقط لأنه يخلط جزافاً بين الفهم والقناعة! وكأنما فهمه لما تطرح هو خطر محدق محقق بأن قناعته قد تتغير! وبأنه اعتراف على رؤوس الأشهاد بأنه كان مخطئاً! وبأنه سيقع فريسة سهلة للخسارة! وبأنه سيهزم في نقاش مع علمه العميق والأكيد بأن الميديا العالمية بأكملها غير عارفة بوجوده أساساً!
إلى هذه الفئة ودورتها المعرفية المفتخرة، ومن باب الغمز لا السخرية: لا شيء يمنحك القوة اللازمة لتحقيق هدفك السطحي – ربح نقاش – كفهمك وتفهمك لفكرة من تحاور، عندها ستكون قادراً على التأثير فيه، على تفنيد آرائه، على الرد عليها من مبدأ العارف لا الجاهل، على إثبات خطئها – إن وجد – بأسلوب يقنع من يقابلك في التلفاز أو الكرسي أو “القعدة “أو المترو أو سيارة الأجرة، بأنك لا تهاجمه بغوغائية وإنما تفهمه ولا تقتنع بفكرته.
هذه الفئة للأسف، تقبع في معظم الأحيان حيثما يمكن لك أن تجول ناظريك! ابتداءً من طفلين يرتدي كل منهما حقيبة مدرسية أخبره والده بأنها الأفضل، وانتهاءً بشاعرين يتغزل كل منهما بمحبوبته بأسلوبه الأدبي الخاص! ما من مهن نوعية لهذه الفئة، لا أطر أو ساحات أو جغرافيا خاصة! ولعل هذا ما يجعلها خطيرة لكونها منتشرة بقدر انتشار الفكرة المجردة في حياتنا، ومحركها هو الخوف وليس إثبات الذات... وما يزيدها خطورة وبشكل فعلي أن ذلك الطفل الذي تعارك يوماً مع صديقه فقط ليثبت له بأن حقيبته المدرسية أفضل – كما أخبره والده – قد يأتي يوم يصبح فيه معلماً أو مهندساً أو طبيباً أو مخططاً اقتصادياً، ولكم أن تتخيلوا كيف سيتعامل مع أي فكرة خارجة عن إطاره المعرفي أو تتعارض مع ما تلقنه واعتنقه على أنه حقائق فكرية أو علمية مطلقة!
عزيزي القارئ لا تخف !! لن تنشطر روحك إذا اعتنقت فكرة ثم عدلت إلى سواها، لن تصاب بالشلل الدماغي وتتوقف أعصابك عن العمل إذا كنت تتبع نهجاً فكرياً وأيقنت خطأه أو عدلته أو طورته! لن تتوقف الحياة ويجتمع سكان الأرض أمام مسرح واحد ليسخروا منك ويرموك بالخضار والقاذورات إذا أعلنت رأياً ثم ارتقيت إلى رأي أفضل وأعلنت صوابه! فانت كإنسان مفكر، نتاج تجربتك و خبراتك المتراكمة، فإذا كنت على قناعة جامدة بفكرة ما، منزهة عن التطوير و النقد، منفصلة عن الواقع و الزمن، فاعلم أن حياتك بأكملها و طبعاً وجودك على هذه الأرض، ما هو إلا لهو عبثي بلا معنى، كممانعة أوراق الشجر المصفرة لنسائم السقوط الخريفية .. وكإعلان أخير مكرر: أن تفهمني لا يعني بالضرورة أن تعتنق ما أعتنق، أنت وأنا أحرار فيما نؤمن به، لكننا كعقلاء، مقيدون في أن يعرف بعضنا بعضاً، أن نفهم بعضنا بعضاً، أن يحترم كل منا حق الآخر في الاختلاف والقناعة تحت سقف السلام، مهما بدت لنا حججنا منطقية وراسخة! و مهما بدت أفكار من يقابلنا ضعيفة و هشة .. فلن يعرف العالم يوماً أبهى ولا أجمل، من ذلك اليوم الذي تستسيغ فيه آذان الجميع على هذا الكوكب عبارة واحدة: (أنا أفهمك، لكنني أختلف معك).
Comments