بقلم: د. عامر بطرس داود
في حوار مهم أجراه جوزيف كينيدي للتليفزيون الأمريكي في ستينيات القرن الماضي، أكد كينيدي الأب الذى كان يعمل سفيرًا للولايات المتحدة لدى بريطانيا قبل الحرب العالمية الثانية أنه كان يربي أولاده كي يكونوا رؤساءً للجمهورية. لذا لم يكن غريبًا أن يتبارى ثلاثة من أبنائه التسعة للوصول إلى هذا المقعد. فجون كينيدي هو أصغر رئيس للولايات المتحدة الأمريكية (1960-1963)، وروبرت كينيدي هو الآخر أعلن ترشيح نفسه لنيل ثقة الحزب الديمقراطي وخوض تجربة الانتخابات الرئاسية عام 1968، لكن القدر لم يمهل روبرت للوصول لمقعد الرئاسة بسسب اغتياله في العام نفسه. ثم انتقل الإرث السياسي بعد ذلك للشقيق الأصغر إدوارد. ورغم أن إدوارد لم ينجح في الوصول إلى كرسي الرئاسة، إلا أنه أصبح نادرًا ما يأتي الإبداع بسرعة، لكن من الخطأ أن نصدق الرأي الذي يقول إن بعض الناس مبدعون، والبعض الآخر ليس مبدعًا. لحسن الحظ يُظهر العلم أن هذا ليس صحيحًا؛ حيث أجريت 70 دراسة عام 2004 للتدريب على الإبداع؛ وتبين أن البرامج المصممة تصميمًا جيدًا للتدريب على الإبداع يمكن أن تساعد الناس على التفكير بشكل أكثر إبداعًا. ربما يثير تصريح كينيدي الأب تساؤلًا يستحق الإجابة عنه حول كون العبقرية صناعة وتربية أو أنها مجرد وراثة. تساؤل حاولت وسائل الإعلام العالمية إيجاد إجابة مقنعة له، لا سيما مع رحيل أية شخصية عُرف عنها تميزها بهذه الخصلة النادرة، وهذا ما جرى مؤخرًا في أعقاب رحيل العقل المدبر خلف صرح أبل أسطورة الطفرة الرقمية ستيف جوبز وفي الواقع لا يمكن أن نقيس الذكاء بشكل كمي طبقًا لعدد الخلايا العصبية الموجودة في المخ مثلاً، لكن تبقى اختبارات مقياس الذكاء IQ التي وضعها ألفريد بينيه عام 1904، هي الأداة الأكثر شيوعًا. فإذا كان ذكاء الإنسان يتأرجح بين 46 و160 على مؤشر القياس النفسي، فإننا نتحدث عن مستويات عالية من الذكاء بدءًا من 130 وفقًا للمعيار العالمي ( هناك دول مثل فرنسا تعدّ الإنسان عبقريًّا إذا بلغت درجاته 125). وبناء على نتائج تلك الاختبارات، فإن هناك طفلًا واحدًا فقط لكل 100 ألف يبلغ مستوى ذكائه على الاختبار النفسي 160.
ركزت تلك البرامج على التفكير الإبداعي، وطرح أكثر من فكرة لأسئلة وأفكار متعددة لموضوع معين، وحل المشكلات. انتهى الأمر إلى تعزيز الأداء الإبداعي لدى الطلاب بغض النظر عن العمر أو الجنس أو الأداء الأكاديمي.
بالطبع؛ العمل من الساعة التاسعة صباحًا وحتى الخامسة مساءً في مكتب خاص في إحدى الشركات، أو القطاعات الحكومية؛ يبدو عملاً آمنًا؛ على الأقل هذا ما قيل لك لكن الأمور ببساطة لا تجري على هذا النحو. الجميع يدرك أهمية الفن والإبداع في الحياة، أو العمل في المجالات المفضلة والأنشطة التي نحبها، ولكننا نسأل أسئلة تعيقنا عن أي تقدم في حياتنا، مثل: ما الذي يوفر لنا وظيفة آمنة من أجل التقاعد؟ هل لديك رؤية قوية تريد إظهارها للعالم؟ إذًا أنت لا تريد أن تعمل من أجل أجندة شخص آخر.
الفنان لا يتبع الاتجاهات المحددة؛ بل يميل إلى الإبداع وخلق فن جديد يليق بحياته. كما تعلم؛ الحياة بدون هواء تجعلنا نموت. مثل الحياة بدون إبداع يمكن أن تجعلنا أمواتاً لكننا نبقى إلى سن السبعين عامًا .
هل الإبداع جين وراثي، أو مواهب مكتسبة: الإبداع سمة تنتقل من جين لآخر. فالإبداع موجود في مكان محدد من الدماغ؛ مثل صفة تتقاسمها كل الشعوب لا سيما الفنانين والموسيقيين، بل والكتّاب أيضًا. وقد يزيد إبداعهم من خلال تطوير كل جانب من الدماغ؛ سواء جانب الحركة أو الجانب البصري والرسم… إلخ.
يشير الباحث «زابولكس كيري» إلى قدرة أجزاء مختلفة من الدماغ في التواصل بعضها بعضاً، وهذا يلعب دورًا هامًا في الأصالة، والطلاقة والمرونة في معالجة فكر الواحد.
وبهذه الطريقة تقلل تلك الجينات تثبيط المشاعر والذاكرة. بمعنى أن هناك المزيد من المعلومات تصل إلى مستوى الوعي؛ ولهذا يبدو أن بعض الناس قادرون على التعبير عن أنفسهم بشكلٍ أفضل، وبطرق مختلفة بخلاف الوسائل الأقل ميلاً نحو الإبداع.
ما وجده الباحثون في تلك الدراسة هو وجود مجموعة خاصة من الجينات مرتبطة بقوة بالإبداع الموسيقي؛ وهذه المجموعة من الجينات معروفة بأنها تمثل عاملًا كبيرًا في إنشاء اتصال بين أجزاء الدماغ وبعضها البعض، وهذا ما يتماشى مع نظرية «كوكس» تحت عنوان (الإتصال الدماغي في تنظيم الإبداع)
من المهم أيضًا النظر في حالة الإضطرابات النفسية فيما يتعلق بالإبداع وعلم الوراثة:
وفقا لكوكس وبحث العلماء السويديين في معهد كارولينسكا في ستوكهولم على مدى نصف القرن الماضي؛ فإن بعض أنواع الاضطرابات النفسية الشديدة المعروفة تُنسب لحيلة الإدراك والإبداع؛ مثل الفصام. أيضًا يوجد اضطراب ثنائي القطب في الناس الذين يميلون أكثر نحو المهام الإبداعية.
في نهاية المطاف؛ الإبداع هو مصطلح صعب المنال، فإذا كان والديك مبدعين وتتساءل لماذا لست مثلهم؛ حاول تغيير نمط حياتك حتى يتناسب مع سمة الإبداع التي لديك.
أعتقد أن الإبداع موجود في الجميع وربما يتم تمريره من قبل والدينا عن طريق الجينات الوراثية، لكن في النهاية الأمر متروك لكل واحد منا -بشكل فردي- لإيجاد طرق ليسمح لإبداعه في الظهور على سبيل المثال؛ «تيم باكيلي» أحد الموسيقيين المفضليين لدى الكثير من الناس، والذي يعتبره الناس مبدعًا ومفكرًا خارج الصندوق، توفي في عمر الـ 28 وله ولدان؛ أحدهما «جيف باكيلي» الذي أصبح موسيقيًا مثل والده تمامًا حيث كان على نفس المستوى الذي كان يقدمه والده.
ما أجده مثيراً للإهتمام هو أن جيف كان يبلغ تسع سنوات عندما توفي والده، وأشك أن يكون والده قد علمه كل ذلك في تلك الفترة في هذه السن المبكرة، لكن ما أظنه صحيحًا هو تناقل الجينات الوراثية
في نهاية المطاف؛ الإبداع مصطلح صعب المنال، فإذا كان والداك مبدعين وتتساءل لماذا لست مثلهم؛ حاول تغيير نمط حياتك حتى يتناسب مع سمة الإبداع التي لديك.
Comments