بقلم: عاطف ميخائيل
قابلت صاحبي في السوق بعد أن فترت علاقتنا تدريجيّاً، وبعد السلامات والسؤال وخلافه، سألته عن مشروعه الذي يدرّ عليه هامش ربح متوسط، فأخذ يشكو ارتفاع الأسعار، وركود الإنتاج، وكثرة المنافسين. لم يكن صاحبي تاجراً ماهراً أو إداريّاً بالمعنى المتداول للكلمة، وكان يكفيه أن يساير الأوضاع ويستفيد منها لولا الأزمات الاقتصادية المتتالية التي لحقت به..
قلت له: لم لا تفكر في الالتجاء لقرض من أحد البنوك؟
قال: فكرت وعزمت أمري لله وتوكلت..
قلت: خيراً فعلت..
قال: تقدمت بالأوراق والمستندات المطلوبة من الشهر العقاري وإدارة التراخيص والسجل التجاري ومصلحة الضرائب ... ولكن..
قلت له: هل هناك معوقات؟
قال: بالعكس كل الشروط تنطبق عليّ... ولكن بعد أن قدّمت المستندات، وقبل تسلّم المبلغ، قابلت أحد اقاربي، وهو رجل وقور ومتدين وكلمته كالسيف، وهو موضع ثقة ليس لي وحسب بل لكل أبناء العمومة، ولمّا شرحت له موقفي، انتفض قائلاً ما الذي تفعله يا ابن عمي. أترضى أن تدخل الى بيتك المال الحرام؟.. أترضى ان تأكل من أموال البغايا.. أترضاه لأمك وأسرتك وزوجتك أم عيالك؟..وهكذا كان ما كان.. ولم أصرف القرض حتى الآن..
لحظتها كنت أفكر كيف لصاحبي أن يضع ثقته في شخص ما لا لشيء سوى انه من أحد أقربائه المتدينين الوقورين؟.. إن اجبته اأن كلام ابن عمه غير صحيح فمعنى ذلك أنني أشكّك في ضمير ابن عمه وربما في تدينه وأكون قد وقعت في المحظور ... خصوصاً أنني وصاحبي من ديانتين مختلفتين، وإن قلت كلام ابن عمك صحيح فمعنى ذلك أن صاحبي لن يخرج من أزمته المالية قريباً..
ولكني قلت له بعد تفكير: هل قريبك ميسور الحال؟
قال: إلى حد ما..
قلت: جرّب واسأله أن يقرضك مبلغاً مناسباً، لفترة محددّة سلفاً طالما أنت مقتنع بكلامه..
فكّر صاحبي ولم يرد. وبينما كنّا نشتري بعض المستلزمات شاهدته يسأل البائع بعد حوار سريع: هل القروض التي نأخذها من البنك حلال أو حرام؟
قال له البائع بسخرية مستترة: ومن منا لا يقترض.. كيف تسألني وأنا غير المتعلّم هذا السؤال؟
ثم افترقنا أنا وصاحبي، على أمل لقاء قريب، وبينما كنت أعود لبيتي، قرأت على صفحات وسائل الاتصال الاجتماعي خبراً مفاده أنه لأول مرة سيتم افتتاح صالة (ديسكو حلال) وفكرت كيف لنا أن نخرج من أطر تلك الثنائيات المعروفة الحلال والحرام.. الذكر والأنثى.. المسلم والمسيحي،.. وحينئذ تذكرت قول الراحل بيومي قنديل (أشهد أن كارثة مصر _ وبلاد المنطقة _ في تعليمها وليس في أمّيتها).
Comments