بقلم: طارق داود
** الموجة الثانية مما يسمى “الربيع العربي” أصبحت في طريقها الى المجهول مع غياب رؤية واضحة وخريطة طريق تنقذ البلدان العربية من حالة الضياع والانهيار التي تصيبها. صحيح ان تردي واقع المواطن العربي دفعته للانتفاض على واقعه وعلى طريقة حكومته في إدارة موارد البلاد, الا أن هذه الانتفاضة كانت ناقصة لانها لم تهدف الى بناء واقع جديد. المتظاهرون خرجوا بشعارات فضفاضة: “إسقاط النظام” - “كلن يعني كلن”, لكن ما البديل الذي يرجوه هذا المواطن؟ ما الخطة التي يرجو المتظاهرون ان تغير من مستوى حياتهم؟ حتى انّ بعض الاحتجاجات تحمل شعارات كانت مطروحة أيام “الثورات العربية” في الخمسينيات والستينات والتي كانت في الحقيقة مجرد انقلابات عسكرية أوصلتنا الى ما نحن عليه. الغريب في الموجة الثانية من “الربيع العربي” أنها ضربت بلدانا حكوماتها منتخبة بطريقة ديمقراطية. فالمظاهرات خرجت في العراق ولبنان ليست لنشر الديمقراطية والمشاركة في اختيار من يمثل المواطن في إدارة شؤون البلاد, وانما للاحتجاج على طريقة إدارة شؤون البلاد ومواردها التي يثقل كاهل مواطنيها الفساد والبطالة وانخفاض المستوى المعيشي لمواطني هاتين الدولتين. في العراق, وصلت المواجهة بين المحتجين وأجهزة الدولة الى نقطة الخطر الذي يهدد السلم الأهلي وكيان الدولة مع سقوط مئات الضحايا وفلتان الوضع الأمني في في بعض المحافظات العراقية. احتدام المواجهة في العراق تجلى بمحاصرة المتظاهرين لمبنى قيادة شرطة محافظة ذي قار بالإضافة الى استهداف القنصلية الإيرانية في محافظة النجف. فلتان الشارع انعكس على مواقف الطبقة الحاكمة في العراق, حيث وجّه عدد من قادة الأجهزة الأمنية العراقية في محافظات الوسط والجنوب رسالة إلى زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، والذي يملك أكبر كتلة في البرلمان, معتبرين أن مخاطبته بشكل مباشر بات أمرا ضروريا “مع وصول الأمر إلى مرحلة الانفلات العام.” وحمّلت الرسالة قيادات من “سرايا السلام” التابعة للصدر بقطع الطرقات واستهداف الدوائر الحكومية وإغلاق المدارس, مؤكدة أنه لولا حماية الصدر لهم لما تجرؤوا على هذه الممارسات. وناشدت الرسالة الصدر بالقول إنّ “الأجهزة الأمنية في حالة انكسار وأصبحت ضحيّة لصراع سياسي.” من جهته حمّل مقتدى الصدر الحكومة مسؤولية ما يجري, داعيا اياها للاستقالة فورا من أجل وقف إراقة الدماء، محذرا من “بداية نهاية العراق”، وداعيا لعدم تحويله إلى “سوريا ثانية”. وأكد الصدر في بيان له أنه ينأى بنفسه عن “التدخل في ما يدور بالعراق من فتنة عمياء بين الحكومة الفاسدة وبين متظاهرين لم يلتزموا بالسلمية بعد يأسهم”. من جهة ثانية, أعلن تحالف “سائرون” الذي يقوده الصدر رفضه قانون الانتخابات البرلمانية الذي رفعته الحكومة إلى مجلس النواب. وقال إن قانون الانتخابات تضمن تخصيص نسبة 50% للتمثيل النسبي لقوائم الأحزاب كما جرى في الانتخابات السابقة، مطالبا بـ”بإقرار قانون انتخابات مجلس نواب تكون المقاعد مخصصة فيه لمن يحصل على أعلى الأصوات بدائرته الانتخابية، لأن التمثيل الحقيقي لإرادة الناخبين يتمثل بهذا القانون”.
** علت أصوات المواجهة في الشارع اللبناني، يجهد عَلَت أصوات المواجهة في الشارع اللبناني, يجهد رئيس الجمهورية ميشيل عون للوصول الى تفاهم مع القوى السياسية لتشكيل حكومة جديدة. الحكومة المرتقبة لن تغير شيئا من طبيعة الحال, فالطبقة السياسية
تعيد انتاج نفسها بأسماء وألقاب جديدة لكن المضمون يبقى نفسه. الرئيس عون وجد متنفسا باستقباله الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي, حيث طالب بان يترجم الدعم العربي الى خطوات عملية, لا سيما بالنسبة إلى المساعدات لمعالجة الوضع الاقتصادي المتردّي. الاستعصاء السياسي في لبنان تتفاقم خطورته مع وصول المواجهة في الشارع الى أعلى مستوياتها بعد الاشتباكات التي وقعت بين المتظاهرين ومناصري “حزب الله” و”أمل” وسط بيروت والتي أسفرت عن وقوع عشر إصابات. أسباب هذه المواجهة توضحت بعد تخوف “حزب الله” من استغلال قوى خارجية هذه المظاهرات للتدخل في الشأن اللبناني, وفي هذا السياق قال نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، إنه لا يمكن الخضوع للشروط الأمريكية لتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، منوها بأنه لا يمكن استخدامها رافعة لخيارات سياسية مقابل أخرى. وأكد قاسم أن “القاسم المشترك بين الجميع على المستوى الشعبي والقوى السياسية يبدأ بالإصلاح ومعالجة الوضعين الاقتصادي والاجتماعي”. خطورة الوضع في لبنان, دفعت بـ”تيار المستقبل” الذي يتزعمه رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية سعد الحريري، مناصريه للابتعاد عن الشارع، وتجنب الانجرار وراء أي استفزاز يراد منه إشعال الفتن. كما حث “تيار المستقبل” مناصريه على “الامتناع عن تنظيم المواكب الدراجة والسيارة وكل ما يمكن أن يخالف موجبات السلم الأهلي وتطبيق القانون”. من جهته, دان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي في لبنان، وليد جنبلاط، قطع الطرقات من أية جهة كانت، مشيرا إلى أن الأمر يتسبب بمشكلات وتوترات وسقوط ضحايا.
** االتدخل الاميركي في شؤون الدول العربية أصبح ضرورة في ظل الخطوات التي تتخذها الولايات المتحدة في سوريا, حيث تعزز واشنطن سيطرتها على حقول النفط السورية. وأفادت وكالة “رووداو” الكردية للأنباء بأن “قافلة عسكرية أمريكية مؤلفة من 80 جندياً ومعدات عسكرية مختلفة (دعم لوجستي، عربات، مدرعات ودبابات) وصلت مدينة رميلان، في محافظة الحسكة”.
السيطرة الأميركية على حقول النفط كشفت زيف ادعاء واشنطن بان سبب تواجدها في سوريا هو “محاربة داعش”. الادعاء الآخر الذي انكشف زيفه هو استخدام دمشق للاسلحة الكيميائية في مدينة دوما بريف دمشق عام 2018 والذي كان السبب وراء العدوان الثلاثي الاميركي/البريطاني/الفرنسي المشترك على سوريا, حيث كشفت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية أن “منظمة حظر الاسلحة الكيميائية” تلاعبت بتقرير هجوم دوما الكيميائي نيسان/ابريل 2018. وأشارت الصحيفة إلى أن عالما وظفته منظمة حظر الأسلحة الكيميائية قال في بريد إلكتروني مسرب إن التحقيقات على الأرض في دوما لم تتوصل إلى دليل قوي حول وقوع هجوم الغاز المزعوم، مشددا على أنه تم إخفاء الحقائق بشكل متعمد في تقارير المنظمة. وأوضحت الصحيفة أن البريد الالكتروني يقول إن التقرير الرسمي حول حادثة دوما تم اختصاره لدرجة تحريف الحقائق عبر ترك معلومات رئيسية وإخفاء حقيقة أن آثار الكلور التي زعم العثور عليها في الموقع كانت مجرد عناصر ضئيلة للغاية بمعدل أجزاء في المليار، وفي إشكال يمكن العثور عليها في أي مواد تبييض منزلية. ولفتت الصحيفة البريطانية إلى أن التقرير أخفى عدم تطابق تام بين الأعراض التي أظهرها الضحايا في موقع الحادث وتأثيرات المواد الكيميائية التي تم العثور عليها بالفعل. وفي هذا الشأن قال الرئيس السوري بشار الأسد، بأنه لا يوجد دليل واحد حتى هذه اللحظة على استعمال الأسلحة الكيميائية من قبل الجيش. وأوضح الرئيس الأسد خلال لقاء مع مجلة “باري ماتش” الفرنسية أن “النقطة الأهم هي أن كل مكان ندخل إليه يكون هناك مدنيون وتعود حياتهم طبيعية، كيف بقوا هناك ونحن نستخدم السلاح الكيميائي؟! في الحقيقة فإن الأكاذيب في الإعلام الغربي وفي السياسة الغربية ليست لها حدود في هذا الموضوع”.
** في تطورات المشهد التونسي تتخذ الأمور منحى أكثر استقرارا رغم السباق الانتخابي المحتدم الذي شهدته البلاد, حيث أكد رئيس
الحكومة التونسية المكلف، الحبيب الجملي, أنه لن يخضع لأي حزب في تشكيل الحكومة. وقال الجملي في تصريح اذاعي”: “موقفي واضح وموقف النهضة واضح، لن أخضع لموقف أي من الأحزاب حتى الحزب الذي كلفني بتشكيل الحكومة”. ورغم فوزها بالكتلة الأكبر في البرلمان التونسي, الا أن سيطرة حركة النهضة على الحكومة والبرلمان لن تكون بهذه السهولة, مع الجهود التي تبذلها عدة قوى سياسية لتشكيل تحالفات جديدة تملك تأثيراً فعالاً في مواجهة “النهضة”. وفي هذا السياق, يأتي تشكيل “الكتلة الديمقراطية” في البرلمان التونسي من قبل حزب التيار الديمقراطي وحركة الشعب بالإضافة الى عدد من النواب المستقلين لتضم واحداً وأربعين نائبا يشكلون الكتلة الثانية في البرلمان بعد كتلة حركة النهضة. وقال أمين عام حركة الشعب في تصريح خاص لـ”الميادين نت” أن “الكتلة الديمقراطية “ الجديدة ستكون كتلة وازنة في كلتا الحالتين إن كانت في المعارضة أو الحكومة قائلاً إن اختارت الكتلة الانضمام إلى الحكومة القادمة فستعمل على دفعها ، وإن وجدت نفسها في المعارضة فستكون معارضة قوية بناءة “.
Comments