بقلم رحمن خضير عباس
كتب خوسيه ساراماغو روايته العمى. والتي تدور أحداثها في مدينة ما من هذا العالم ، ولكن العمى الذي تخيله الكاتب شديد الشبه بكورونا، من حيث العدوى وإثارة الرعب بين الناس. وذلك لأن العمى ظلّ ينتقل بشكل سريع بمجرد اللقاء بالمصاب إو الاقتراب منه. مما جعل السلطات تلجأ إلى حجرالمرضى العميان وعزلهم ومعاملتهم بشكل لا إنساني ، فقد تم نفيهم إلى أماكن معزولة ، وارسال ما هو ضروري لهم. وبمرور الوقت تبدأ أعراف جديدة بين ضحايا المرض. ، فيحاول البعض منهم ابتزاز البعض الآخر واضطهاده من أجل الحصول على مأكله. لقد كوّن الضحية سلطته وأصبح جلادًا ومتسلطا.
وهذا ليس غريبا علينا (كعراقيين)، فالذين يدّعون مظلومية الأمس، قد أصبحوا جلادين ومتسلطين وظالمين أكثر من جلادهم. لذلك فقد قاموا بقتل وجرح وتعذيب المقهورين من شبان العراق الذين انتفضوا ضد ظلمهم وتخلفهم واستهتارهم بالوطن.
ورغم أنّ الرواية تجنح إلى خيال محض، غير أنها ذات أفق فلسفي، تتحدث عن العمى الفكري والمعرفي، وعن ضعف الانسان وعزلته، وعن تحوّل الضحية إلى متسلط.
وإذا كان وباء العمى حسب الرواية يرمز إلى عمى البصيرة ، والذي لخّصتْه زوجة الطبيب ،وهي الوحيدة التي لم يصبها العمى بقولها :
“ لا أعتقد بأننا عميان، بل أعتقد أننا عميان يرون “
الكورونا التي اجتاحت العالم الآن. كشفت عن حالة عمى شاملة أصابت العالَم. حيث الحروب المستمرة في كلّ مكان ، وحيث انتهاك لعذرية الطبيعة الأم، التي أسأنا إلى معاييرها وتوازنها الطبيعي في عبث ممنهج ، كتلويث الطبيعة ، باقتلاع غاباتها وتدمير أرضها وتسميم المياه بكيمياوية التصنيع. وتلويث البحار والبيئة والهواء .
ففي الوقت الذي يتم فيه رصد الأموال الأسطورية في تجارة الأسلحة التي تفتك بالإنسان والطبيعة ، لا يتم سوى رصد النزر اليسير من الميزانية للبحث العلمي ، هذا بالنسبة للدول المتقدمة ، أما دولنا التي تعتمد على ريع الطاقات الناضبة ، فأمره يدعو للرثاء ، فليس هنلك بحث ولا خطط ولاتدبير. عالم يعيش على المصادفة ، ولا يرى دربه لأنه فقد البصر والبصيرة.
مرض الكورونا شكّل مفاجأة للجميع ، وأثبت لنا بوجوب مراجعة قناعاتنا الجاهزة وحساباتنا الخاطئة . فالصين هذا البلد العملاق صاحب السور العظيم. والذي يمتلك نسبة سكانية تفوق بني الأرض جميعا. كما يمتلك تجارة هي الأكبر في العالم في كل شيء ، في نفوسه ودقة عمله وكثرة مصانعه ووفرة تجارته وضخامة بنائه. هذا البلد العظيم وجد نفسه تحت رحمة فيروس لا يرى إلا بواسطة المجهر . فكيف بنا ونحن غير قادرين على خياطة جوارب أحذيتنا ؟
لقد أفرزت الكورونا ظهور بعض التمييز العنصري ضد الآسيويين ، وكأنهم قد صنعوا هذا المرض وصدّروه إلى غيرهم ، مع أن الصين وبعض الدول الأسيوية تقوم بأدوار بطولية ، لمحاربة هذا المرض والحدّ من انتشاره. وهي بريئة منه ، لأن هناك طفرات في تطور الفايروس ،ولا علاقة لهذه الطفرة بمكان دون آخر. فطاعون فرنسا قبل قرنين ليس فرنسيا ، والحمى الإسبانية لم تُصنع في مدريد .
لقد عرّت الكورونة فكرة المقدس، والمتمثل بالأضرحة أو الأديرة أوالمعابد. والتي يحج لها الناس لطلب المُراد، في الصحة والعافية والرزق. لقد أصبحت هذه الأماكن الدينية غير قادرة على وقاية نفسها من عدوى الأمراض ، فعمدوا إلى رشّها بأنواع من المعقمات .لذلك فطلب الصحة ليس بالأماكن الدينية وإنما بالمستشفيات وبالتوعية الفكرية والصحية.
لقد كشفت الكورونا زيف الكثير من رجال الدين، وأعني الذين يتاجرون به ،فهؤلاء الذين صدعوا رؤوس أتباعهم بالمفاهيم الغيبية. هؤلاء اقتنوا الكمامة ونصحوا أتباعهم بقراءة الأدعية!
ستنتهي محنة هذا المرض قريبا، كما انتهت أمراض وأوبئة، فتكت بالبشرية، وحصدت الملايين من البشر.
ولكن نهاية أيّ وباء لايتمّ بالتمني، وإنما بتكثيف الجهود العلمية، والبحوث المختبرية من أجل إيجاد اللقاح المناسب.
コメント