بقلم: طارق داود
** غالباً ما ارتبط شهر حزيران في الوجدان العربي بنكسته المعروفة, فهزيمة عام 67 لم تكن مجرد هزيمة عسكرية لأهم جيوش عربية في وقتها, وإنما كانت ضربة للمشروع القومي المتمثّل بفكرة تحرر العرب وانبعاث نهضتهم من جديد. لكن لماذا يقتصر مصطلح النكسة على وصف الأيام الستة التي شهدها عام 67, والعرب والفلسطينيون يعيشون كل يوم نكسة جديدة. جاريد كوشنر مستشار الرئيس الأميريكي توجّه الى المنطقة العربية ليروج لمشروعه المعروف ب”صفقة القرن”. ورغم أنَ الموقف الرسمي العربي منقسم بين مؤيد للصفقة وبين من يتجنب التأييد, إلا أن الواضح ان حصة وازنة من الدول العربية تعمل على تمريرها وفرضها. العقلية التجارية للرئيس الأميركي دونالد ترامب ابتدعت اخراج “اقتصادي” للـ”الصفقة” يقوم على أن المال كفيل بحل كل المشاكل. المعارك السياسية والعسكرية التي خاضها العرب مع إسرائيل على مدار عقود لم تجلب سوى الخراب والدمار للمنطقة,
كوشنر اختصر الوضع بجملة واحدة: “إن البحث عن السلام في الشرق الأوسط يحتاج إلى فكر جديد”. هذا الفكر يقوم على أن المال والرخاء الاقتصادي للفلسطينيين سينسيهم حجم الكارثة التي يعيشونها. كوشنير اختار البحرين انطلاقا لمشروعه, حيث تستضيف المنامة ورشة عمل ستتناول الشق الاقتصادي من خطة كوشنر للسلام في المنطقة. وخلال افتتاح الورشة أعلن كوشنير ان خطته تقدم للفلسطينيين “مستقبلا أكثر ازدهارا” إذا وافقوا على اتفاق سلام مع إسرائيل. ووصف كوشنر المقترحات التي تتضمن استثمار 50 مليار دولار في المنطقة على مدار 10 أعوام، باعتبارها “فرصة القرن”. الموقف الرسمي العربي كان خجولا باتخاذ موقف من الصفقة, باستثناء البحرين, التي اختار وزير خارجيتها خالد بن أحمد آل خليفة الاعلام الاسرائيلي للتعبير عن موقفه, حيث قال بن أحمد لموقع “تايمز اوف اسرائيل” ان “دولة (إسرائيل) هنا وباقية ونحن نريد السلام معها”. وأضاف آل خليفة في مقابلة مع موقع “تايمز أوف إسرائيل” الإسرائيلي اليوم الأربعاء أن “مؤتمر المنامة يمكن أن يغيّر اللعبة مثل اتفاقية كامب ديفيد بين “إسرائيل” ومصر”، موضحاً “مقابلتي الأولى هذه مع قناة إسرائيلية كان يجب أن تحصل منذ وقت طويل.
** ذكريات نكسة حزيران هذا العام لها طعم مختلف, فالعرب ليسوا الوحيدين الذين يستذكرون هزيمة جيوشهم في ستة أيام. فها هي ذي واشنطن وكل جبروتها العسكري تعرضت لصدٍ إيراني من العيار الثقيل, مع إسقاط الدفاعات الجوية الإيرانية لطائرة تجسس أميركية تعتبر من أهم ما أبدعته العقول العسكرية الاميركية. وهي لحظة كان ينتظرها حلفاء اميركا في المنطقة بفارغ الصبر على أمل انها ستكون الشرارة التي ستطلق الآلة العسكرية الاميركية نيرانها ضد ايران, وتنهي التهديد الذي تعتبره عدد من دول المنطقة وجوديا بالنسبة اليها. لكن البراغمياتية الأميركية خيّبت آمال هذه الدول, فبعد ان توقعت رداً اميركياً مدوياً, أعلن ترامب إلغاءه لضربة أميركية عسكرية ضد مواقع إيرانية. من الواضح ان واشنطن غير مستعدة للدخول في مواجهة غير محسوبة النتائج مع طهران, وفضلت ضبط إيقاع الصراع مع ايران على سلاحي السياسية والاقتصاد. الانضباط الاميركي, تجلى بإعلان ترامب بانه “مستعد للتفاوض مع إيران من دون شروط مسبقة”، مضيفاً “مستعد لإجراء محادثات مع المرشد الإيراني الأعلى أو الرئيس الإيراني”. عدم التجاوب الايراني, استدعى اشهار ترامب لسلاح العقوبات حيث فرض ترامب عقوبات اقتصادية تستهدف المرشد علي خامنئي. وأكد ترامب أكد أنّ العقوبات ستبقى لسنوات وذلك “إلى أنّ تتوقف إيران عن رعاية الإرهاب”، بحسب قوله، مشيراً إلى أنه يرغب في عقد اتفاق مع طهران، لكنه لن يسمح لها بامتلاك أسلحة نووية.
من جهته, أعلن المرشد علي خامنئي أن الأمة الإيرانية لن تتراجع في مواجهة الضغوط الأميركية والعقوبات القاسية والإهانات, بينما قال الرئيس الإيراني حسن روحاني متوجهاً إلى الأميركيين: “الطريق الذي اخترتموه هو طريق خاطئ. وأضاف: “نحن لا نريد الحرب والتوتر في المنطقة لكن حدودنا هي خط أحمر بالنسبة لنا”.
** عند توجيه أي ضربة أميركية لإيران, السؤال الأول الذي قد يتم طرحه ليس كيف ومتى سترد طهران, وانما أين سيكون الرد؟ النفوذ الإقليمي لإيران يسمح لها بتوجيه رد على مستوى الشرق الاوسط باكمله. هذا النفوذ لا يقلق واشنطن فحسب, بل حلفاءها في الإقليم أيضاً, وخاصة اسرائيل. التخوف الإسرائيلي من النفوذ الإيراني في المنطقة, خاصة ان وحدات الحرس الثوري الإيراني باتت على حدودها الشمالية, استدعى من تل ابيب القيام بمناورة سياسية مع روسيا الحليف الدولي لايران في المنطقة. حيث شهدت مدينة القدس المحتلة اجتماعاً ثلاثياً ضم رئيس مجلس الامن القومي الاسرائيلي مئير بن شبات ونظيريه الأمريكي جون بولتون والروسي نيكولاي باتروشيف. ممثل روسيا في الاجتماع رفض ما سماه “محاولات تصوير إيران كتهديد أساسي للأمن الدولي، مؤكدا “أن
طهران كانت ولا تزال حليفاً وشريكاً لنا نتعاون معه بشكل وثيق على الصعيدين الثنائي والدولي، وأي محاولات لتصوير إيران كتهديد رئيس للأمن الإقليمي، عدا عن تشبيهها بتنظيم “داعش” الإرهابي، مرفوضة رفضا باتا بالنسبة لنا، لا سيما أن إيران تسهم بقسط كبير في محاربة الإرهاب في سوريا”.
الاختلاف في الرأي حول الموقف من ايران, لم يفسد الود في الشأن السوري بين الاطراف الثلاثة حيث تم التوصل لعدد من الاتفاقيات بشأن سوريا. وأعلن المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، عن التوصل لعدد من الاتفاقيات الهامة, والتي ستشكل إطار المحادثات المزمع عقدها بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره الأمريكي دونالد ترامب في أوساكا على هامش قمة الدول العشرين.
** رغم انتفاض الشارع العربي ورفضه لقياداته التي حكمت عشرات السنين بانتخابات مزيفة كانت نسب النجاح فيها 99,9% , الا أن واقع الانتخابات الحال يوحي انه حتى لو شهدت البلاد العربية انتخابات نزيهة بالمعايير الدولية فان النتائج لن تتغير كثيرا. ففي موريتانيا, فاز مرشح الحزب الحاكم في الانتخابات الرئاسية. وحصل محمد أحمد ولد الغزواني، الحليف المقرب من الرئيس المنتهية ولايته محمد ولد عبد العزيز، على 52 في المئة من أصوات الناخبين. ورفض أربعة من مرشحي المعارضة نتائج الانتخابات. أقرب المنافسين للغزواني “برام داه عبيد” الذي حصل على 18.5 في المئة من الأصوات, قال “يبدو الأمر انقلاباً”. وقالت محطة بي بي سي ان اللجنة الانتخابية رفضت مرارا مزاعم بأنها متحيزة لصالح الحزب الحاكم، وقالت إن التصويت تم بسلاسة.
** حال الانتخابات في تركيا ستبقى أفضل من حال الدول العربية, مع خسارة حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم معركة السيطرة على بلدية اسطنبول، بعد إعادة إجراء انتخابات البلدية.
ومع فرز معظم صناديق الاقتراع، تبين تفوق مرشح حزب المعارضة الرئيسي، أكرم إمام أوغلو، بـ775000 صوت، بزيادة كبيرة عما حققه في المرة الماضية، التي فاز فيها بـ13000 صوت أكثر من مرشح حزب العدالة والتنمية. وكان فوز المعارضة في مارس/آذار قد ألغي بعد أن ادعى حزب العدالة والتنمية حدوث مخالفات. وتنهي هذه النتيجة 25 عاما من حكم العدالة والتنمية لاسطنبول. وتمثل هذه النتيجة انتكاسة كبيرة، للرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه، وهو الذي كان يقول إن “من يفوز باسطنبول يفوز بتركيا”.
** ان مصطلح “الرئيس السابق” في البلاد العربية, من المصطلحات النادرة, لكن الربيع العربي جعل الأمل بانتشار وتعميم هذا المصطلح كبيراً. قبل العيش على هذا الأمل, نحن بحاجة الى لحظة تأمل وتفكير عميق بالهيكلية السياسية للدول العربية.
فقصة وصول الرئيس المصري السابق محمد مرسي الى سدة الحكم وخروجه منها وحتى وفاته, بحاجة الى وقفة فكرية حول الطريقة التي بنيت وتعمل عليها الكيانات السياسية العربية. ورغم الضجيج الذي عاشته وسائل الإعلام بخبر وفاة مرسي, إلا ان ذلك لم يتجاوز بضع ساعات ومرّ دون أي مواقف أو تعليقات رسمية اقليمية أو دولية. تركيا هي الدولة الوحيدة التي علقت بحزم حول وفاة الرئيس الوحيد في العالم الذي تقاسم معها الخلفية العقائدية وهي “الاخوان المسلمين”. فبعد أقل من ساعة من إعلان وفاة مرسي قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن مرسي “لم يمت بشكل طبيعي لكنه قُتل”، مطالبا بلجنة دولية تحقق في الأمر. لتبدأ بعدها حملة تراشق اعلامي بين مصر وتركيا. الرد المصري اقتصر في البداية على وسائل الإعلام المصرية, لكن التصعيد التركي ضد مصر, استدعى من وزير الخارجية المصري سامح شكري، اصدار بيان قال فيه إن “أردوغان يرغب في التغطية على تجاوزاته الداخلية والدخول في مهاترات عبثية لخدمة وضعه الانتخابي والعمل حصراً نحو اختلاق المشاكل”. وأضاف شكري، في بيانه، أن “الاتهام بقتل مرسي والتلويح بإثارة الأمر دولياً يعتبر تصريحات غير مسؤولة، ولا ترقى لمستوى التعليق الجاد عليها”.
** نختم أخبارنا من السعودية, حيث حذّرت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان من أنّ الرياض تريد صلب الفتى مرتجى قريريص على خلفية اتهامات سياسية وُجهت إليه حين كان عمره أحد عشر عاماً. ونقلت وسائل اعلام عن المنظمة قولها, ان الطفل قد اعتُقل عام 2014. من جهته، قال رئيس المنظمة علي الدبيسي إنّ قضية الطفل قريريص هي واحدة من أربع عشرة قضية مماثلة.
תגובות