بقلم : رحمن خضير عباس
هذا الفيلم الذي أخرجه الأمريكي ميشيل كارناهان ، هو أول فيلم أمريكي يتناول دمار مدينة الموصل العراقية ، وسيطرة داعش عليها.
رغم أن أحداث الفيلم صوّرت في مدينة مراكش المغربية ،التي تختلف تضاريسها وطبيعة بنائها عن الموصل ، لكنّ مهارة التصوير ودقته ، ورسم الديكور والخلفيات جعلت المتلقي يقتنع أنها الموصل ،تلك المدينة التي أُسِرَت واغتيلت أمام صمت العالم ، من قبل قطعان بشرية ، تسللت من كهوف التاريخ المظلمة. ورغم أن مشاهد الفيلم كانت حادة وقاسية وعنيفة ، ولكنها غير قادرة على تصوير حجم الخسارة وفاجعة المدينة التي كانت تموت ببطء ، وتتآكل وتنزف أبناءها. ولكي يصبح الفيلم أكثر واقعية، فقد استخدم اللهجة العراقية في مجمل الحوار ، وقد استطاع المخرج أن ينجح في مسعاه رغم صعوبة نطق مفردات اللهجة كما ينبغي من قِبَل غير العراقيين ، وقد تنطلي هذه على جميع المشاهدين باستثناء العراقيين الذين أدركوا أيضا، بأن اللهجة لم تكن واضحة بشكل كافٍ.
تعتمد قصة الفيلم على ريبورتاج وَرَدَ في إحدى الصحف الأمريكية ،عن مجموعة صغيرة من قوات التدخل السريع العراقية ( سوات) أرادت تحرير بعض العوائل لبعض منتسبيها دون علم قيادتها, وكان على هذه المجموعة أن تتجاوز سيطرات الجيش والشرطة الاتحادية وبعض الميليشيات ، لذلك فقد لجأت إلى رشوة من يدقق في وجودها أو تحركاتها. وفي الطريق جندت الشاب كاوة الذي كان منتسبا للشرطة الاتحادية ، لأنهم بحاجة إلى عدد أكثر من المقاتلين كانت المجموعة بقيادة النقيب جاسم الذي مثّل دوره باقتدار”سهيل دباج”، وقد اشتبكت عدة مرات مع مقاتلي داعش ، وهي تتقدم ببطء ، وفي كل اشتباك تفقد بعض عناصرها ، وبينما كان النقيب جاسم بصدد الاستعداد للوصول إلى الهدف ، تنفجر فيه عبوة مموهة تحت صندوق من الأوراق ، فتقتله، ورغم أنهم فقدوا قائدهم ، فقد صمموا على التقدم، فوصلوا إلى عائلة المقاتل أمير ، الذي صُدم بخبر حمل زوجته من أحد مقاتلي التنظيم الإرهابي ، في موقف عاطفي وإنساني مؤلم. وفي خضم ذلك تجري الكثير من اللقطات الجانبية ، ومنها قتل كاوة لصاحبه الشرطي ، وعلاقته مع عمه القتيل ، ورؤية النقيب جاسم لأطفال يحملون جثة أبيهم ،فيقنع أحدهم بالعبور معه إلى الضفة الأخرى لإنقاذه، وصور المدنيين من النساء والأطفال الذين يبحثون عن مأوى في مدينة أصابها الدمار الشامل.
كان الفيلم موفقا في تصوير جزءٍ من مأساة الموصل وحجم الخراب الذي حلّ بها، واعتمد المخرج على تصوير بونارامي شامل للمدينة، من خلال طائرة مسيّرَة (درون)، استطاعت أن تكشف من الأعلى ،حقيقة التدمير للشوارع والأبنية والمساجد والبيوت والمدارس والمنشآت الحكومية ، والتي تحولت إلى ما يشبه المقبرة. ورغم أن الفيلم اعتمد على أسلوب أفلام (الأكشن) التي تنتهج وسائل البطولة الفردية والمغامرة والعنف ، والتي تنأى عن الالتزام بضرورات يمليها الواقع ، ولكنه استطاع أن يظهر بشاعة الحرب ودورها في تدمير الإنسان والبيئة والحياة ، كما أنه أظهر هشاشة الجبهات العسكرية التي أصبحت مُخترقة ومع ثغرات الفيلم كان يرسم خارطة مدينة طحنتها الحرب وحوّلت البشر فيها بين أن يكون قاتلا أو ضحية. وإن الإنسان ما هو إلا سلعة رخيصة، لا قيمة لها ، وإن الأطفال قد حملوا أوزار الحرب وأعباءها، من خلال مشهد طفلين يحملان جثة إبيهما إلى المقبرة.
كان الفيلم نقلة نوعية للممثلين العراقيين والعرب في أدائهم الفني ، واندماجهم بمشاهد الحرب ،بحيث أن تمثيلهم يتفوق أو يماثل الممثلين العالميين ، إضافة إلى حرارة الحوار والذي جاء متلائما مع جحيم لحظات الحرب، والتي انعكست على الملامح المشدودة والمندهشة والنازفة، حيث ساهمت دقة الميك آب ولمساته الفنية في رسم الجروح وحالات الموت وصور القتلى والدماء الغزيرة والنازفة وشهقات النزع الأخير.
وكمعظم الأفلام الأمريكية وقع فيلم (موصل) في فخ البطولات الأسطورية وشخصية السوبرمان ولكن الفرق فقط أن البطل عراقي وليس أمريكياً إضافة إلى أن البطولة كانت جماعية وليست فردية. ومهما يكن ففيلم الموصل، قد وضع أمامنا حقيقة مؤلمة :
وهي أن الذين سببوا دمار الموصل ، هم نحن جميعا ، فقد فرّطنا بخيمة الوطن التي كانت ملاذنا الأبدي ، واستبدلناها بهويات ساهمت في تفريقنا وإضعافنا ، فأصبحنا ضحية للتطرف وضحية للفساد. وليس لنا سوى أن نعيد الاعتبار للوطن حتى لا نخسر (موصل) أخرى.
Comments