top of page
صورة الكاتبThe Ambassador Team

كليجة


بقلم: رحمن خضيرعباس

كانت أمي ترتاح قليلا بعد أنْ بذلت جهدها في صناعة الكليجة . وجدت نفسها وحيدة في المطبخ ، فخاطبت نفسها بهمس :

“ احنا – وتعني أهل الشطرة - نسميها كليجة. وأهل بغداد يسمونها كليچة. وأهل العشاير يسمونها كليّية”

لكنها لم تتوقع أن بناتها يسترقن السمع إلى صوتها الهامس من الشباك. وَإِنَّ كلامها أصبح نكتة نتناقلها بوجودها ، وهي تشاركنا الضحك إلى حدّ الدموع.


مضت السنين ، وأصبحت الكليجة (بجيماتها المجردة والمشبعة والمتحولة إلى ياء )، تعني لنا الفرح والسرور والمحبة.

وحينما نشم رائحة الكليجة نشعر بقرب العيد ، فهي الحلوى الوحيدة التي نتمتع بها ، لذلك فقد انغرست لذتها في أعماق ذوقنا الجمعي.

كانت أمهاتنا توزع علينا حصصنا. وتحاول الاحتفاظ بما تبقى إلى ضيوف محتملين. ولكننا نجترح المعجزات للعثور على بقايا الكليجة ، في غفلة عن أهلنا. فنسرقها ونلتهمها بشغف ، مما يساهم في احراج أهلنا أمام الضيوف.لذلك يقومون بصنع كليجة إضافية .

كبرنا ، ورحلنا بعيدا ، وزرنا بلدانا عديدة ومدنا غريبة ، وتذوقنا أنواع المأكولات وأنواع الحلوى. ولكن لذة الكليجة في الحَلْق ما فتئت تلاحقنا أينما ذهبنا.

طريقة صنعها. من الدقيق والسكر وماء الورد والزيت وبعض الهيل ، التمر الذي يختفي في ثناياها ، المشط الخشبي الذي يصنع خطوطها ودوائرها .

تبادل الكليجة بين الجيران والمعارف والأصدقاء .

نأكلها مع الشاي بشهية . فنشعر عندئذ أننا نعيش لحظات العيد.

السنين تمر كعجلات القطارات المسرعة ، وتطوي سكك العمر المتشعبة .

تموت الأم ونكبر ،وتتغير الحياة وتتسع ، ونرحل إلى بلدان غريبة ، فيها ما لذّ وطاب من أنواع الحلوى. ندخل المطاعم التي تقدم لنا الأنواع العديدة من المأكولات والمرطبات والمشهيات .

ولكن رائحة الكليجة مازلت تطاردنا في المهجر .

تشعّ فينا بشكل خفي ، وتفجر فينا رشاشا من الروح العراقية التي لا تقبل التجزئة


٠ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

Comments


bottom of page