بقلم: رحمن خضير عباس
جسر الجمهورية، والذي بُني في نهاية خمسينات القرن الماضي، بمبلغ لا يتجاوز خمسة ملايين دولار أمريكي.
( أي أنّ كلفته تعادل ما يتقاضاه عادل عبد المهدي في خمسة أشهر فقط!) .
والجسر يربط ساحة التحرير، التي ترمز إلى انطلاق الثورة التشرينية على أعداء العراق، وبين المنطقة الخضراء التي تضمّ جميع من خربوا الوطن، من مسؤولين ووزراء وبرلمانيين وزعماء الأحزاب ومستشاريهم وحماياتهم وبطاناتهم.
هذا الجسر أصبح برزخًا بين الحق والباطل. بين الأمل واليأس.
بين الروح العراقية المتألقة، والتي تتمثل بشبانه وشيبه الذين أقسموا على استعادة الوطن،
وبين سلطة غبية ومرتشية وفاسدة، ولكنها مدججة بالسلاح والمال.
كانت كاميرا إحدى الفضائيات تنقل إلى المشاهد هذه المأثرة الإنسانية:
بعض الشباب محشورون في المسالك الحديدية الضيّقة تحت جسر الجمهورية، والتي من الصعب أن تسمح لهم بالزحف للوصول إلى ضفّة التحرير، فكيف وهم يحملون جريحا من رفاقهم؟
جسد الجريح يتأرجح في الهواء، وكأنه يهمّ بالسقوط في لجّة النهر. ولكن سواعد الفتية تتشبث به، يدٌ تمسك بالحديد واليد الأخرى تمسك الجسد المضرج بالدم، في مشهد غرائبي يتفوّق على المستحيل.
الرصاص ينهال على أجساد الفتية. ولكنهم غير مبالين بالموت، لأنّهم منهمكون في صنع الحياة.
كان عرق أجسادهم يسحُّ من سواعدهم المفتولة ويمتزج بدم الجريح. لقد تحملوا أكثر من قدرة البشر على التحمل، وكأنهم سيزيف الذي يحمل صخرة الوطن إلى القمة ثم يكرر عمله.
لكنهم وصلوا إلى الضفّة الأخرى، ضفة الحياة.
لقد انتصروا على قوانين الطبيعة. وانتصروا على الضعف البشري. فتحولوا إلى سوبرمان حقيقي.
أدركتُ أنّ هؤلاء العراقيين الذين لم يتخلوا عن رفيقهم الجريح في أصعب المواقف.
سيحمون عراقنا الجميل من كل الأيادي التي لوثت وجهه البهي.
سيبنون الوطن.
إنّهم نقطة ضوء في هذه العتمة.
Comments